حوارات مع مبدعين أتراك

حوارات مع مبدعين أتراك

لتحميل الحوار PDF اضغط على
حوار

حوار مع الشاعرة التركية:  ميسّر يينايي

Müesser yeniay

حاورتها اسماء الجلاصي

“سحبت الحزن إلى الشعر كما يسحب البحر عروس البحر إلى شاطئه” هكذا تقول الشاعرة التركية ميسّر ينياي في قصيدتها “نسيم يهبّ من الشعر” التي تتناول في شعرها مواضيع شغلتها دون غيرها مثل النسوية ومشاكل المجتمع التركي والحب والشهوانية…

ميسّر صوت أنثوي ولد بمدينة ازمير التركية، درست اللغة الانجليزية وآدابها في جامعة ايجا، صدر لها مجموعة من  الكتب الشعرية وهي: “الظلام أيضا يسقط مرشوش” و”رسمت السماء مرة أخرى” و”قبلي كانت هناك صحاري”  لها إصدرارات في الترجمة من الشعر الايراني والانجليزي والفرنسي إضافة إلى اصدارها كتابا تناولت فيه الشعر التركي الحديث. لعلّ هذا الحوار الذي أجريته معها يكشف جزء من شخصية هذه الشاعرة المتفردة.

كيف تعرّف الشاعرة “ميّسر يني” نفسها إلى القرّاء العرب؟

أعرّف نفسي لنفسي بالشعر. أعتقد أنني لست قريبة لنفسي بشكل كاف لأقوم بتعريفها للآخرين فالمسافة التي تفصلني عن نفسي وعن الآخر هي نفسها.

ما الذي جعلك تهتمين بالفن/الشعر؟ هل يوجد حدث خاصّ كان سببا في ذلك؟

قضيّت طفولتي مع جدي وجدتي، ذلك قادني إلى قراءة الكتب و الوحدة … مازلت أقرأ كثيرا وأفكر كثيرا. الحوار بالنسبة لي هو ذلك الذي أقوم به في داخلي مع صوتي الخاص والصمت.

من مِن الكتّاب الذين أثّروا فيك؟ من يعني لك الكثير ككاتب؟

الرومي يعني الكثير بالنسبة لي لأن لديه عالم منفصل في ذاته غير هذا العالم. خلق عالما من المشاعر واتبعها في كل خطوة. وهو أيضا محبّ كبير. كما قال أينشتاين، “الطاقة الكبرى التي تجعل العالم يستمر هو الحب”. لا تزال لدينا أشياء غير معروفة عن طبيعة الحب والشعر هو أفضل وسيلة لإدراكها.

متى بدأت تعتبرين نفسك شاعرة؟

بعد كتابي الأخير “حديث دائم مع الحبيب” صوتي أصبح واضحا وبدأ يتحدث إلي. الشاعر مثل الميكانيكي لأنه  يعرف كيفية إصلاح اللغة ويجعلها تماما كلغته.

هل هناك أي مواضيع تجذبك بشكل خاص كشاعرة، أشياء تشعر بأنك تود أن تكتب عنها؟

في الغالب أكتب عن العالم الأنثوي؛ الحديث عن عاداتي الخاصة والطقوس يبعث في نفسي البهجة حيث أنني شخصيا لست كيانا واضحا. الشعر ينير مشاعري الخاصة أيضا كشعلة فأرى طريقي أكثر وضوحا.

والسبب الآخر الذي يجعلني أكتب عن المرأة هو أنني أعتقد أن الناس سئموا من كلمات الرجال ووجب علينا ملء الهواء أوستروجينا الآن في اللغة.

حسب وجهة نظرك ما هي وظيفة الشاعر اليوم؟ وكيف يؤثر شعرك على العالم؟

الشاعر هو مهندس المشاعر. المشاعر مثل الصور التي لها ألوان وأشكال مختلفة. وبما أننا نعيش فيها معظم الوقت، يجب أن نحاول التعرف عليها عن كثب. الشعر يساعد على القيام بذلك. وأود أن أقول أنّ كل شعور يختلف عن الآخر حيث يكون فريدا من نوعه على الرغم من أن الاسم هو نفسه. خذ الحب مثلا كل واحد لديه بنية مختلف، كثافة مختلفة… ذلك ما أعنيه.

شعري شجاع. أحب الحديث عن المواضيع المسكوت عنها في شعري وأفضل القراء هم الرجال لأنهم يجهلون حقا  أي العالم الذي تعيش فيه المرأة. لشعري القدرة الكاملة لتحرير الملجوم.

 هل يوجد شيء يعيقك عن كتابة الشعر؟

أجل، مرضي الشيء الوحيد الذي يبعدني عن كتابة الشعر هو المرض. وإلا حياتي كلها للشعر. هو مهنتي كما هو طبيعتي.

عدد قليل جدا من النساء الشاعرات العظيمات. هل تعتقدين أن هناك صعوبة في أن نكون مرأة وفنانة مبدعة؟

على مرّ التاريخ، كانت جميع وسائل السلطة مثل المال والدين في أيدي الرجل. وهذا ما يفسّر لماذا أصبحت نسبة قليلة جدا من الشاعرات عظيمات . النساء مبدعات في المطبخ وفي الفراش وفي الرحم. وبالتالي فإن الصعوبة تعطيني المزيد من الشغف.

هل تصلين إلى حالة من السلام والتفهم اثر كتابتك عن المشاكل التي تواجهينها؟

هذا سؤال جيد. أصل إلى حالة من التفهّم والسلام مع المشاكل التي لم تُحل في بعض الأحيان ولكن مع تلك التي تكون واضحة بشكل جيد.

ماهو الأصعب بالنسبة لك أن تكوني شاعرة أم امرأة تركية؟

أن أكون امرأة تركية أصعب. سيوف قتال المغالاة في الرجولة ولدت معنا…  في بطوننا وفي الهواء.

 

حوار مع الكاتب أورهان باموك

Orhan pamuk

إنها قصّة كان من غير المحتمل جدا أن تكتب لذلك “أورهان باموك” فعل أفضل شيء ممكن: عاشها.

في عام 2005 كان باموك بالفعل واحدا من أبرز الكتّاب في تركيا . الروائي المتعود بروتين الكتابة كان لا يتأثر بكل اقتناع، بزخارف الشهرة الأدبية الزائفة وفي فبراير من ذلك العام، وخلال مقابلة مع صحيفة سويسرية صرّح بأنّه “قتل 30 ألف كردي ومليون أرمني في هذه الأراضي، ولا أحد يجرؤ على الحديث عنه” وكانت هذه ملاحظة مصيرية فبعد أربعة أشهر وبموجب قانون جديد اتُّهم باموك في مسقط رأسه في اسطنبول ب “إهانة الأتراك” وقد تعرض لخطر السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. أثارت القضية غضبا على نطاق العالم، وخاصة في الاتحاد الأوروبي، وتحت ضغوط متزايدة أسقطت المحكمة التركية التهم في فبراير 2006. وبحلول ذلك الوقت، أصبح باموك شخصية دولية، معروف أكثر بمعركته من أجل حرية التعبير والرأي من الكتب التي نشرها مثل “الثلج” (2002)، والتي أشاد بها “جون أوبديك” أو “اسطنبول: الذكريات والمدينة” (2003) وهي انعكاس على روح مسقط رأسه.

في مايو 2006 ظهر في قائمة “مائة شخص الأكثر تأثيرا في العالم”  في مجلة “تايم” ضمن فئة “أبطال ورواد” ثم في تشرين الأول حصل على جائزة نوبل في الأدب. لكنّ ذلك لم يدفعه لأن يرتاح وينام في عسلها بل لعلّه كتب أفضل رواياته بعد نيله الجائزة إحداها روايته الأخيرة “المرأة ذات الشعر الأحمر” وهي روايته العاشرة.

أجرت هذا الحوار الكاتبة الفرنسية ذات الأصول الايرانية ”ليلا عزام زنجانة” تحت عنوان ”بعد صدور لائحة اتهام جنائية وجائزة نوبل، يعبر الروائي أورهان باموك عن تحديات البقاء وفيا لفنه.”

ليلى عزام زنجانة: لقد تحدثت عن سنواتك الأولى من الكتابة التي كانت شديدة العزلة، في حين أنك اليوم حائز على جائزة نوبل وشخصية عامة مشهورة عالميا.

أورهان باموك: حسنا، بكل صراحة، كنت أحلم دائما بأن أكون شخصية عامة، ولكن لم يحدث كل شيء بين عشية وضحاها، كما حصل لبعض من أسلافي الرومانسيين. والحقيقة أن طريقي كان مليئا بالرفض والفشل، واجهت عدة صعوبة لسنوات عديدة.

ليلى: هل غيرت جائزة نوبل حياتك ككاتب؟

باموك: خلافا لتوقعاتي الأولى عندما سمعت الخبر، غيرت جائزة نوبل حياتي قليلا. لقد جعلتني أكثر انشغالا وأكثر شعبية في بعض البلدان، لكن ذلك لم يغير تفاني في الأدب و طبعا لم يغير شخصيتي. مازلت أحب كتابة الروايات، والآن أكتب أكثر من أي وقت مضى.

ليلى: على ضوء جائزة نوبل، هل تشعر أن لديك الآن مسؤوليات معينة ككاتب، في تركيا وحول العالم؟

باموك: دعينا نقول إنه خلال حياتي لم أتطلع أبدا إلى المسؤوليات السياسية التي أسقطت فجأة على كتفي. أشعر أنه بسبب الغيرة، والاستياء، والمحرمات، وضغوط مختلفة، أصابوني فجأة مثل شيء سقط من على الشرفة بينما كنت أتجول عرضا في الشارع. ولأن تركيا قد قمعت، ولدي الآن ما يسمى بسمعة دولية، لا بد لي من التعامل مع هذا التحول المفاجئ في مصيري. رغبتي السرية كانت دائما أن أبقى فنانا حرّا. أسلوب كتابتي وطريقة تكويني تتطلب نهجا طفوليا في الحياة…مسؤولية الكتابة تتلخّص بالنسبة لي في التهور فأنا  ألعب ألعابا سحرية مع قواعد العالم. ولا بد لي من الاعتراف بأن المشاركة كشخصية عامة ليس أمرا جيدا لعمل الروائي. أما بالنسبة للشخصية السياسية فلا أذكرها حتى… يا لها من كارثة!

ليلى: إذن لم تفكر في نفسك كمثقف ملتزم؟

باموك: هذا يعني ضمنيا، أولا أنني قد وضعت أو يمكن أن أعدّ خططا سياسية منتجة بشكل منهجي قبل تنفيذها فعليا، وثانيا أن لدي قضية معينة للدفاع عنها. بعد كل هذا الخلاف القانوني مع الدولة التركية على تعليقاتي فيما يخصّ الإبادة الجماعية للأرمن، فإنني مقتنع الآن بأن مسؤوليتي الوحيدة هي استعادة عدم مسؤوليتي الفتية والعودة إلى الحياة التي كانت أمامي من قبل، والتي كانت أكثر بكثير من نابوكوفياني و تحولت نحو الجماليات.. هذا هو. أنا أيضا بطيء جدا وفقا لحساباتي، أكتب حوالي 175 صفحة في السنة، أي حوالي نصف صفحة يوميا بعد تسع أو عشر ساعات من العمل. من الصعب أن تكون مثقفا ملتزما عندما تكون بهذا البطء.

ليلى: ولكن بعد أن نجوت من معاركك القانونية مع الحكومة التركية، ألا تشعر بأنك مضطر للقتال من أجل حرية التعبير؟

باموك: الكتابة كافية. كل الأشياء الأخرى يمكن أن توصل إلى مصير مؤسف، حيث أُجرّ إلى دائِرة لا أحبها.

ليلى: هل تأمل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

باموك: لقد آمنت بذلك مع حماسة كبيرة، والعديد من السياسيين الذين أحترم سعوا للحصول على مساعدتي. كما اعتقدت بإخلاص أن أوروبا وتركيا ستحققان نتائج جيدة. ولكن من الواضح أن الشغف قد خفت، أفضل الآن أن أفكر في رواياتي.

ليلى: عندما كنت طفلا، أردت أن تكون رساما. كذلك كان فلاديمير نابوكوف

باموك: نعم. من سن 7 إلى 22 حلمت بأن أصبح رساما. تجولت في شوارع اسطنبول لالتقاط صور المناظر الطبيعية والحضرية. إحساسي بالواجب دفعني لدراسة الهندسة المعمارية، ولكنني سرعان ما تخليت عنها… شعرت أنني كنت أغش، لأن اهتماماتي كانت بوضوح في مكان آخر.

زنقانة: ما هي الكتب التي كانت أول محبوباتك الأدبية؟

باموك:الشياطين وآنا كارنينا… أدركت أنني أحبهم ألف مرة أكثر من أي من كتب فن العمارة وأكثر حتى من كتبي عن الرسم.

ليلى: لذلك قررت أن تعيش مع والدتك والتفرغ للكتابة.

باموك: نعم، حتى وأنا في الثلاثين من عمري لم أكسب فلسا واحدا، كنت أعيش في منزل أمي المطلقة… عشت حياة غريبة لصبي مجنون الذي قد يصبح يوما ما كاتبا. كان لأصدقائي وظائف حقيقية. بينما كنت أكتب فقط ولم أتمكن من النشر. كنت خجولا جدا، ولكن كنت عنيدا أيضا. اليوم تترجم كتبي إلى 40 لغة، ولكن الحقيقة الغريبة هي أن أصعب شيء بالنسبة لي هو الحصول على نشر بلغتي الأم.

ليلى: كتابك الأول كان “جودت بيك وأبناؤه” الذي نشر في عام 1982… إنها ملحمة عائلية مكتوبة بأسلوب فلوبيرتي مختلفة جدا عن رواياتك اللاحقة، مثل اسمي أحمر أو الثلج التي تعتبر أعمالا حداثية أقرب إلى فرانز كافكا و إيتالو كالفينو.

باموك: نعم. تتحدث جودت بيك وأبناؤه عن قصة صعود البرجوازية الإسلامية في اسطنبول وعلاقاتها مع الجيش مع البيروقراطية والسياسة وجميع الأشياء التي كان لها تأثير حاسم على تطور البلاد.

ليلى: في عام 1985، رافقت آرثر ميلر وهارولد بينتر في رحلة برعاية مركز بين الأمريكي وهلسنكي ووتش. وكان هدفهم هو كتابة تقرير عن حقوق الإنسان في تركيا… ما هي انطباعاتك عن تلك الرحلة؟

باموك: كان هناك انقلاب عسكري في عام 1980… تم تقليص حرية التعبير… حقوق الإنسان غير موجودة. وكان سوء المعاملة منتشرا في السجون. ومع ذلك كان الناس يتحدثون، وأسر السجناء، وكذلك الكتاب.

ليلى: هل جربت الشعور بالتضامن؟ الشعور بالذنب؟ كلاهما؟ هناك هذه الثنائية التي تبدو هاجسا في رواياتك.

باموك: أولا شعرت بانفجار من العار، أشعر ذلك عندما يأتي الناس من أمريكا أو أوروبا للتحقيق في حالة الديمقراطية أو فقدان الحرية في مختلف أنحاء العالم. إنه عار متصل بالمشاعر الوطنية، يصعب تفسيره، ولكنه منتشر تماما. ثانيا شعرت أيضا، وللمرة الأولى، بتضامن دولي بين الكتّاب الذين كانوا يمثلون ليس فقط بلدانهم الأصلية بل أيضا العالم…تضامن ينبع من احترام مشترك وشامل تقريبا لحرية التعبير.

ليلى: ومع ذلك، أنت لست في الأساس كاتبا “سياسيا”، كنت ترغب في خلق عوالم متنوعة وحالمة حتى أنّ العديد من رواياتك تحمل أسماء الألوان: اسمي أحمر، الكتاب الأسود، القلعة البيضاء.

باموك: نعم، كنت نابوكوفيا أكثر في البداية… كتبت للجمال. وبينما كانت أجيالا كاملة من الكتّاب الأتراك تصوغ أعمالها على “جون شتاينبيك” أو “مكسيم غوركي”  وتدمّر جوهر مواهبها من خلال السماح لها بخدمة شيء يفترض أنه تجاوزهم  كنت أقرأ “نابوكوف” وأحلم. لقد مرّت خمسة وعشرون عاما، وأنا أعلم الآن أنه لو كنت قد ارتكبت خطأ كتابة الروايات السياسية، كنت قد دُّمرت… فالنظام كان سيبددني.

ليلى: والثلج، في عام 2002؟ لماذا إذن قررت كتابة رواية عن الإسلام، حول القومية والانتحار الجماعي التي قامت به مجموعة من النساء الشابات أجبروا على إزالة الحجاب في بلدة صغيرة في شمال شرق تركيا؟

باموك: قررت أن أكتب رواية سياسية لأنني أردت فجأة أن أتكلم عن بلدي بطريقة مختلفة. كل رواياتي تختلف هيكليا عن غيرها… لسبب وجيه أيضا. التقيت شخصا في شارع اسطنبول وهو يصرخ، “أوه، سيد باموك، كم هو محزن! لقد أحببت ذلك حقا، ولكنك لم تكتب أي شيء مثل ذلك مرة أخرى “. حسنا، كانت “ثلج” مختلفة جذرية وبالنسبة لي كل المتعة تكمن هناك، في التحركات المتغيرة باستمرار من التأليف التي تسبق التنفيذ… الكتابة نفسها ليست سوى الحرفية بعد ذلك.

ليلى: من مِن الكتّاب يعجبك أكثر؟

باموك: ليو تولستوي، نابوكوف، توماس مان…هؤلاء عظام بالنسبة لي. ومارسيل بروست، بطبيعة الحال مع جمله الباروكية الطويلة وفي نفس الوقت غامضة وغامضة بشكل كبير، ولكن حسية جدا ومحكمة.

ليلى: هل سبق لك أن اهتممت بكتابة رواية سياسية قبل أن تنشر ثلج؟

باموك: نعم، لدي رواية لم تنته، وهي رواية سياسية دوستويفسكية تبلغ من العمر 25 عاما، حيث يخلط الفكر اليساري الراديكالي مع الغموض الشيطاني. ولكن عندما وقع الانقلاب العسكري في عام 1980 أصبح من المستحيل نشر تلك الرواية. وفي تلك المرحلة أدركت، وليس من دون صدمة، أن بعض أصدقائي الماركسيين القدامى كانوا يميلون إلى الإسلام الراديكالي وضلوعه المناهض للغرب.

ليلى: في ديسمبر 2005، قبل شهر من بدء محاكمتك في اسطنبول، كتبت في نيويوركر أن القومية التركية لها جذور غريبة، فكرية وبورجوازية على حد سواء.

باموك: نعم، لحماية نفسها ضد كلّ مِن الشبح الشمولي اللاأخلاقي العالمي والاستياء المقلق للطبقات العاملة، اعتمدت الطبقات المتعلمة الموقف الوطني الأكثر سطحية: الأتراك ولا شيء آخر! هذا المجتمع العالي هو بالطبع مجتمع ما قبل الحداثة القديم. عن طريق رد فعل جماعي تفضل تعريف نفسها من خلال المشاعر القومية بدلا من الحداثة، مع نتائج واضحة للديمقراطية.

ليلى: هل تعتقد أن الديمقراطية التركية مستمدة في جوهرها من الإسلام؟

باموك: ليس بالضرورة. الكليشيه هي أن تركيا قد تسممت بالإسلام السياسي ولكن في الواقع هناك الكثير من الأشكال والفروق الدقيقة التي تجعل من الأصولية المتشددة تصبح مخففة… لدينا الطوائف الصوفية، على سبيل المثال، والمجموعات المتناثرة التي تجتمع معا، تستحضر السراب لما يمكن أن نسميه “الإسلام السياسي”. ولكن هناك أيضا الجماعات العلمانية المناهضة للغرب والجماعات غير الديمقراطية الملحدة. وتشكّل جميعها تكوينا سياسيا معقّدا للغاية. وفي نظر الروائي، فإنها تشكل، بطبيعة الحال، لوحة غنية واسعة من الألوان.

ليلى: لهذا السبب في “ثلج” كنت تصوّر تركيا ومدينة صغيرة من كارس؛ فقيرة ومهزومة وتناقضها العميق والمتذبذب بين الإسلام والكمالية.

باموك: نعم، شعرت فجأة أنني أردت أن أكتب عن تركيا المعاصرة والسياسة الإسلامية والأصولية والعلمانية والاستجابة القومية للانقلابات العسكرية والقومية لمجموعاتنا العرقية والقوى في اللعبة السياسية والفصائل التي تتضاعف باستمرار. أردت أن أضع العمل في بلدة صغيرة، بلدة فقيرة جدا من شأنها أن تصبح صورة مصغرة من تركيا كما أراه اليوم. كنت أرغب في بناء مكيدة تتمحور على الأحداث، التي عن شأنها أن تكشف عن أسرار بلادي بأنماطها الفكرية الغامضة والمتاهة المضحكة لسياستها.

ليلى: في عرضه لرواية “ثلج” في “ذا أتلانتيك” الشهرية انتقد كريستوفر هيتشنس تصويرك للشخصيات الإسلامية الأصولية بطريقة أظهرت تعاطفا معها أكثر من غيرها

باموك: قاعدتي الذهبية في كتابة الرواية هو التطابق مع جميع الشخصيات. والتطابق مع الشخصيات الأكثر سوادا هو ما يجعل الرواية جيدة وقوية .. أفضل مثال على ذلك هو دوستويفسكي بالتأكيد.

ليلى: وهل روايتك في تقدم؟

باموك: رواية جديدة؛ “متحف البراءة” سوف تنشر في تركيا في كانون الأول، لازلت أعمل على ذلك… إنها قصة رجل اسطنبولي غني له هاجس إزاء قريبه الفقير، تسلط الضوء على الطبقة البرجوازية في المدينة من عام 1975 حتى يومنا هذا… وهي أيضا رواية عن الزواج، والجنس، والاضطرابات الاجتماعية…مليئة بالفكاهة و الحب بتفاصيله.  تتحدث عن القلق والحماقات في هذا المجتمع الغريب، الذي ثبّت تركيا على خطى الحداثة وربما من يدري إلى أبواب أوروبا.