عالم جونار إيكيلوف

عالم جونار إيكيلوف

هالة عثمان

لماذا ترجمة أشعار جونار إيكيلوف ؟ 
للإجابة على هذا السؤال يقول د. صالح العويني : لأن جميع الشعراء السويديين باختلاف أجيالهم واتجاهاتهم الإبداعية يتفقون على كون إيكيلوف أهم الشعراء السويديين في القرن العشرين .وقد قال أحدهم : لو أن شعر إيكيلوف وحده بقي حيا في القرن الواحد والعشرين لكفى الشعر السويدي ذلك.
في تقديمه للكتاب الذي يضم قصائد مختارة من أشعار إيكيلوف يبين لنا د. العويني جوانب من السيرة الذاتية لإيكيلوف وتأثير أحداث حياته على شعره ، تلك الحياة التي مرت بمنعطفات قاسية ما بين وفاة والده الذي ينحدر من أصول عمالية فقيرة ، والذي استطاع أن يكون ثروة بجهده وعمله هذا الأب الذي الذي كان عطوفا محبا ، وبين زواج والدته التي كانت تميل الى الجزم والشدة في تربيته وهي التي تنحدر من أصول بورجوازية عريقة ، هذه الأم التي تزوجت من رجل آخر بعد وفاة بفترة قصيرة ، وقد عانى ايكالوف من جفاف العلاقة بينه وبين زوج أمه فلم يكن للود مكان في علاقتهما ، بل أن إيكيلوف كره الرجل. وفي احدى رسائله لصديق قال ايكيلوف واصفا علاقته بأمه : ” اتسمت علاقتي بوالدتي طوال حياتي كلها بالكره والحب معا . ليس هناك ما يوصم أو يحزن أكثر من أن نجبر على كره من كنا نحب أساسا .
لم يكمل دراسته بعد اجتيازه للمرحلة الثانوية …لم يكمل أي دراسة جامعية شرع بها ، وشرع بتعليم نفسه الشعر واللغات السويدية والإنكليزية والفرنسية واللاتينية واليونانية القديمة والألمانية ، كان قارئا نهما ومحبا للسفر فاتسمت ثقافته بالعمق وبتعدد الروافد وهو الذي قرأ ” ترجمان الأشواق ” لابن عربي وتأثر به وأحبه طوال حياته .
تأثر ايكيلوف برامبو و السرياليين وهو في العشرينات من عمره اثناء إقامته في باريس ، فترجم بعض قصائد رامبو الى اللغة السويدية ، وترجم بعض كتابات السرياليين وأصدرها في كتاب وهو من أوائل من عرفوا بالسريالية في بلده .
لم يطل تأثر ايكيلوف برامبو والسرياليين لفترة طويلة لأنه كان يكره الكتابات النمطية وبسبب رفضه اطلاق اللاوعي والكتابة الميكانيكية التي دعت اليها السريالية ، غير أنه تقبل الحلم في الشعر عندما يكون الحلم الشعري تعبيرا صادقا عن حلم رآه الشاعر في نومه …وقد نأى ايكيلوف عن الجمالية الفضفاضة في الشعر ورفض المدارس الشعرية كلها وآمن بأن الكتابة يجب أن تستند الى التجربة الذاتية، وأن تتسم بالمصداقية النصية والصدق مع الذات .وآمن ايضا بأن الفرح أو الحزن الذي يلتمع داخل الشاعر يشع إبداعا في قصائده وأن الوصول الى هذا الهدف يكمن في القدرة على التعامل مع الكلمات حيث يكمن قدر كبير من ” سر المهنة ” ومن اقواله “سر الشعر ليس في حجارة المفردات بل في الإسمنت اللاصق فيما بينها . وتنشأ ديناميكية الإسمنت من تنوع حجارة المفردات في الوزن واللون وفرادة الشكل فيما بينها ” ويشير د. العويني الى أن المعاناة التي صاحبت ايكيلوف كظله جعلته يعمل التفكير طيلة حياته لتفكيك ألغاز الحياة واحاجيها ودفعته للبحث الدائم عن المسالك المؤدية الى البقاع الجديدة بعيدا عن تنابذ الثنائية ما بين الخر والشر والحياة والموت . ايكالوف الذي قال ” على الشاعر أن يقشر نصوصه ويختزلها ، وأن يكبح جماح ذاته ليرقى الى الفضاء المفرغ الحي ، وهو فضاء مغاير للكآبة والقنوط ، إنه من جنة في منأى عن المتناقضات الأرضية
بعد المقدمة الوافية المشوقة للكتاب ينقل د. صالح العويني القارئ الى العالم الشعري لإيكيلوف من خلال ترجمته لمختارات رائعة من أشعار ايكلوف أورد هنا مقتطفات منها.
 
عالم كل منا تسكنه كائنات عمياء ، غامضة متمردة على سلطة الأنا المتحكمة فيها.
في كل نفس آلاف الأنفس الحبيسة 
وفي كل عالم آلاف العوالم الخبيئة 
وهذه العوالم السفلية الخبيثة 
وهذه العوالم السفلية العمياء 
عوالم غير متجسدة 
ولكنها حية وحقيقية كوجودي
ونجمة كلهيب البحر براقة ،تومض ثم تختبيء
زتومض ثم تختبيء 
تحملها الأعناق المرتعشة 
وهكذا ، وقفت فينهاية ألف بلد 
اسائل نفسي ماذا تريد
وأمعن الفكر في هذا العالم
حسن أن يبقى المرء على ما هو عليه
وحسن ايضا أن يقاتل المرء جبلا
فإني لو لم أعشق الرماح
لكنت ككل الآخرين ، على الرحابة والدعة
لأشياء كينونة ، ولا كينونة لأشياء أخرى
الطرق العريضة لا تعرف غاياتها 
وتعرف غاياتها المسالك الوعرة
هكذا حدثت نفسي 
الشاعر الوحيد الذي أعبأ به 
هو من يحمل بأناة 
وأيد مرتعشة 
اناء مملوء باالدم 
سقطت فيه قطرة حليب 
أو اناءممتلئا بالحليب
سقطت فيه قطرة من الدم
لقد رأيت الآن ، وأريد أن أرى
القبضة القوية التي تمسك
إناءا مترعا بماء الينابيع