قراءة في  كتاب (فاعلية الخيال الأدبي)

قراءة في  كتاب (فاعلية الخيال الأدبي)

محأو لة في بلاغية المعرفة من الأسطورة حتى العلم الوصفي

هالة عثمان

يقول المؤلف: “إن موضوع هذا الكتاب ليس الآثار، ولا الفلسفة. فالكتاب لا يتطفّل على قراءة الآثاريين أو الفلاسفة الأكاديميين، ولا يقدم نفسه بديلا عنها، بل هويريد أن يقدم قراءة مختلفة نوعا ما، وهي القراءة البلاغية للفكرين القديمين العراقي واليوناني، مستفيدا من طروحات الآثاريين والفلاسفة، دافعا بقراءاتهم الى منطقة لا تصلها رسائلهم المنهجية المعتادة .

وهكذا فاهتمام الكتاب يقع في منطقة تخوم، ترتسم ما بين الحدود، وتندسّ في الاختصاصات، لتثير أسئلة بلاغية في ميدان فكري أو أدبي أو أسطوري، وتتداخل بين الحقول والموضوعات باحثة عن نظرية متماسكة قابلة للتطبيق والاستعمال، وعن أساس لغوي لهذه النظرية.

يتابع الباحث سعيد الغانمي في كتابه “فاعلية الخيال الأدبي- محأو لة في بلاغية المعرفة من الأسطورة حتى العلم الوصفي”، يتابع دور الخيال في صنع التصورات الدينية والحياة اليومية. راصدا الحركات السّردية ذات الأبطال المتعددين، وكيفية توحّد هؤلاء الأبطال في بطل واحد، فتأتلف الحكايات الكثيرة في صنف جديد هوالملحمة، التي تكمن وظيفتها في صنع البطل الأسطوري. ويهتم بمتابعة تشكل التفكير العقلي بدءًا من حكماء أيونيا في تنظيم معرفتهم الحسية، مرورا بسقراط، الذي نقل إليهم مفهوم “النَّفس” من الأسطورة إلى الأخلاق، واكتشف صنف “الحوار”، الذي تخطى به الأصناف الأسطورية، وصولا الى أفلاطون، الذي نقل استعمالات الاستعارات من المجال الحسي إلى المجال العقلي، فتحدث عن معمار عقلي، يزداد ارتفاعا كلما ازداد تجردا، وانتهاءً بدعوى أرسطوفي التوصل إلى “البنية المنطقية للغة”، التي لا تتحقق إلا بنبذ عناصر الخيال التي تنتمي إلى الطور السحري، وكان ينبغي “للغة العلم الوصفية” أن تتشبث بفكرة الموضوعية، إذ رأى العلم أن هذا المشروع لا يمكن أن يكتمل إلا حين يتوصل إلى بناء “أنساق” يختبر فاعليتها على نحويقأو م الدّحض والتزييف. يجترح الكتاب منهجا جديدا يندسّ فيما بين الحقول والتخصصات. ليبحث عن مكانة يمارس فيها الحقل البلاغي فاعليته في الأعماق الدلالية، بهدف التوصل إلى “النموذج البلاغي” الذي يغذي تحولات المعرفة، وهذا الحقل الجديد هو”بلاغية المعرفة”.

تتوزع مادة الكتاب على تسعة فصول :

الفصل الأو ل يتنأو ل النظرية وأساسها اللغوي، والثاني يبحث في خاصية الأدب المعيش في ثقافة مبدأ الإسم من خلال طقس الملك البديل، والإنسان ونفسه والهوية الأدبية والاسم والتحول الأدبي والوصية والحوار وينتهي بالباب الأخير منه “من البطل إلى الفرد.”

في الفصل الثالث يطرح المؤلف موضوع ديانة اللاهوت الطبيعي، والاسم والوجود، ألواح الأقدار الإلهية، الكلمة في حياة الإنسان، التفريد والتوحيد الامبراطوري، استعارة “الإله القتيل”، احتفالية السنة الجديدة، ونقد اللاهوت الطبيعي.

الفصل الرابع يبحث في ابتكار الملحمة: الأطر الثقافية والخصائص الصنفية، الوحدات التكوينية للملحمة، الطبقات الزمنية للنص، القوالب الصياغية، الخصائص الصنفية، السببية والتنميط، التاريخ القدسي والتاريخ الفعلي، والملحمة والكتاب.

يحتوي الفصل الخامس على عدة أبواب: سواحل أيونيا: آخر أشباح الأسطورة، اللاّهوت الطبيعي، حكماء أم فلاسفة،  المدونات القانونية، بلاغة العلم القديم، الأو رفية وعبادة ديونيسيوس، هيراقليطس، وبلاغة السفسطائيين.

في الفصل السادس يتنأو ل المؤلف مشروع قراءة أدبية: سقراط، تديين سقراط، “استعارة الموت الملحمي”، الجهل السقراطي، الحوار السقراطي، على مسرح النفس، وموت سقراط.

الفصل السابع: أفلاطون: الميتافيزيقيا والخيال الأدبي، صانع الأساطير، أسطورة الكهف، المثل والتجريد، “شمس” العالم المعقول، نقد الشعر، المعرفة تذكرا، نظرية المحاكاة، ثنائية النفس والجسد، والوظيفة الشعرية للميتافيزيقيا.

وعودة إلى الفلسفة وعلاقتها بفاعلية الخيال الأدبي يعود المؤلف إلى طرحها من جديد في الفصل الثامن من خلال عدة أبواب:  أرسطو: البنية المنطقية للغة، موضوع العلم الطبيعي، الجوهر والعرض، القضية المنطقية والجملة الخبرية، مقولات الفكر واللغة، المعرفة اليقينية، مكيدة اللاّهوت العقلي، خطاب الأفلاطونية المحدثة، ومصير العلم الأرسطي.

يختتم الفصل التاسع الكتاب بتنأو ل لغة العلم الوصفية ونهاية الحقب الثقافية، قانون التزييف، كون والنماذج الإرشادية. بلاغة اللغة الوصفية، مراحل الخيال، صراع النظم المعرفية، الزمان الدوري والتحقيب.

على امتداد تسعة فصول كشف الكتاب عن تحولات الخيال الأدبي في الأسطورة والعقل والعلم، وكيفية عمله على مستويين مختلفين، في اللغة من حيث هي منظومة نظرية أو كفاءة، وفي اللغة من حيث هي استعمال تطبيقي أو إنجاز.