ذاكرة: قصة

ذاكرة: قصة

انتصار السري- قاصة يمنية

Image may contain: one or more people and closeup

بعد أن قدم عقلي استقالته، وخروجه عن عمله، صرت أعاني وأكابد كل يوم مشقة  البحث عن ذاكرة جديدة.

أوف من تلك الذاكرة أين اختفت؟! هل كان علي سحبها قبل أن أنام؟! أين أنتِ أيتها المراوغة؟

آه أجل قد أكون نسيتها على سطح كمدينا سريري، أو في درج مكتبي، أنهض دون تاريخ لي كلحظة ولادتي، أحاول جمع شتات أجزائي، على المخدة آثار أحمر شفاه، ترى لمن هو؟ آه لو أجد تلك الذاكرة فسوف أعلم صاحبة ذلك الأحمر الشفاه وذلك العطر.

أتوجه نحو المطبخ، الأطباق متراكمة فوق حوض المغسلة، فأر يقفز ما بين علب وأكياس فارغة، يهز بذيله نحوي، تلمع عيناه بتحدي، أمد له لساني دون اعتبار لتجوله في شقوق مطبخي، أفتح الثلاجة لا شيء ذا قيمة يؤكل، من نافذة جارتي الحسناء تصدح أغنية لتامر حسني تثير نفوري، أقترب أغلق النافذة، هي تلعب بخصلة من شعرها، تلفّها على شكل دائري، تتصنع عندم رؤيتها لي، صدرها يكاد يقفز من ثوبها شديد الالتصاق بجسدها الوافر، صوت طقطقة لبانها تتراقص مع صوت تامر، أقفلت النافذة بقوة محدثا صوتا هز زجاجها، من خلف النافذة اسمع للعنات جارتي الحسناء.

أواصل البحث عن الذاكرة، لا جدوى بين كل تلك الفوضى، في الحمام كانت رائحة عطر باريسي يملأ جنباته، آه لو أتذكر لمن هي؟!

تحت دش الحمام أعيد ترتيب خلايا جسمي المنتعش، أتركها تنعم بفوضى دون قيود، عيني تلمح قطعة سوداء صغيرة بحجم الذاكرة، تعتريني حالة سعادة من وجد كنزا في إحدى جزر القراصنة، أمسكها أسرع بتركيبها في تجويف عقلي الفارغ منذ مدة، أضغط زر التشغيل، أسقط على بلاط الحمام، حالة هرج ومرج وتصادم بين خلايا الذاكرة، لم يتعرّف عقلي على بياناتها، أعيد تشغيلها مرة أخرى، يا لهول ما تحملها من صور تلك الذاكرة، آه امرأة فاتنة يحتشد جسدها الغني بثرواته بين أحضان عدد من الرجال كان آخرهم أنا.

أفّ هذه الذاكرة لصاحبة الأحمر الشفاه، والعطر الباريسي أنه يلف أليافها الإلكترونية، لا حاجة لي بها، كانت مزبلة الحمام مصيرها.

كيف أذهب إلى العمل دون ذاكرة؟ كيف سأتعرف على وجوه زملائي؟! وأين هو مقر عملي؟ أرتدي ثيابي، أتعطر، أمام المرآة أتأمل ملامح وجهي المبعثرة، أعيد ترتيبها من جديد، أبتسم لكي اكتشف وضعية جديدة تناسب يومي الذي بدأ بفقداني ذاكرتي الإلكترونية، أجل هي الآن متناسبة مع عيون غائرة لطول السهر، أنف أفطس لا يتناسب مع ملامح وجهي، يشبه أنف جاري الأفريقي، آه آه نعم لقد تذكرت فهو بالأمس أخذ أنفي وركبه على وجهه كي يقنع طبيب التجميل بعمل أنف يشبهه، وجهي يحمل بشرة متيبسة قد يكون ذلك لكثرة تعرضها لوخزات الشمس، ترى ما هو عملي؟

 أغادر المنزل، أتوجه نحو محل بيع الذواكر في نهاية الشارع، لأقتني واحدة جديدة، يرمقني البائع صارخا:

  • ها هو صاحب الذاكرة المفقودة؛ سيدي المحقق، اقبض عليه قبل أن يهرب لقد أتي يشتري ذاكرة جديدة تبعد عنه آثار قتله جارته الحسناء وذبحها في حمام منزله.

18/5/2016م