“آلاء الخطاب الشعريّ فلق الشّعر في تجربة الشّاعرة زبيدة بشير”

“آلاء الخطاب الشعريّ فلق الشّعر في تجربة الشّاعرة زبيدة بشير”

       د. سلوى العبّاسي

أركان المداخلة:

  • قراءة في مسرد تجربة إبداعيّة ثقافيّة نسويّة رائدة.
  • الموقف الشعريّ لزبيدة بشير في خضمّ تحوّلات الشعر التونسيّ المعاصر أيّة شعريّة؟ أيّة نسويّة؟
  • آلاء الحنين فلق الشّعر

  • قراءة في مسرد تجربة شعريّة ثقافيّة نسوية رائدة: من هي زبيدة بشير؟
  • الطّفلة النّابغة عصاميّة التكوين في الثقافة الشعريّة:

هي زبيدة بنت البشير بن محمّد السويفي من مدينة سوف بالجنوب الشرقيّ الجزائريّ وأمّها عائشة بنت عمّار الشّابيّ من شابّة الكاف ، امتزجت في أصولها وعرقها الدّماء التونسيّة بالدماء الجزائريّة وتاريخ ميلادها8 فيفري 1938 بساقية سيدي يوسف القرية الجبليّة المتاخمة للحدود يوافق أيضا أحداث الساقية فكان نسبها الجزائريّ التونسيّ مبعث فخرها واعتزازها وهي القائلة: (المتقارب)[1]

دعوها تعانق شمس الجزائر       لـأنّ الجزائر وعد وعيـــد

فلي في حماكم سلام وأمن         ولي في ثراكم رفات الجدود

 ولدت وتربّت تربية جمعت بين تحفيظ القرآن والمدائح والأذكار والأشعار العربيّة القديمة والفقه والنّحو في بيئة كان فيها نصيب تعليم الفتيات التونسيات والعربيات المسلمات النّزر القليل، فهي لم تدخل مدرسة ولا معهدا ولا جامعة كلّ تعليمها كان في بيت والدها برعاية من الشّاعر مصطفى خريّف .فهي عصاميّة التكوين صفويّة المنحى متينة العبارة كان نبوغها الشعريّ مبكّرا من دلائله نظمها أول نصّ شعريّ وهي لم تتجاوز سنّ الثالثة عشرة سنة 1951 (من الرمل) قالت فيه:

عيّروني         نكرات الجهل والحمق بحزني وشجوني

فاتركــوني        لا أنــــا ولا فيـــكم خليق حنــــيني

لي ديني       غير أديان الورى في ثورتي أو في سكوني

               دينكم حقد وبــــــــــــغض وأنا الإخــــــلاص ديني

 أضف إلى ذلك ما روته الشّاعرة نفسها من حادثة جرت معها في سنّ السّابعة صحبة شقيقة لها كانت تكبرها بسنتين، حينما حضرتا تلاوة “سريدة المولد” في الجامع أدّاها الإمام أداء خاطئا فما كان من والدها سوى أن “حمل بنتيه من ضفيرتيهما ووضعهما على المنضدة” قبالة الإمام وأمرهما بتلاوة “السريدة” تلاوة صحيحة، فأدّتاها بكلّ شجاعة وثقة “والناس يبكون من حولهما تأثرا وانبهارا بما فيهم الإمام”.

 والحادثة مستذكرة بوضوح في قصيدتها “قمريّة الخضراء” التي رأى فيها بعض النّقاد ضربا من ضروب “السيرة الشعرية الذاتيةّ”[2] ورد فيها قولها: (من الطويل)

وعيت وجودي في براءة طفلة     ضفائرها تزري بكلّ السّوامق

إذا لعب الأطفال هامت بروحها     تعانق حلم العمر بين الحوالق

وقد زانها سمت الطفولة باكرا      سماحة نفس واكتمال الخلائق

كان لكرّاس الطفولة بصمة        تقول مكاني فوق طود العمالق[3]

 

 

 

  • ثالث صوت إذاعي نسائيّ تونسي

وطَأت قدماها الإذاعة التونسية سنة 1960 فكانت ثالث صوت إذاعيّ نسائيّ تونسيّ بعد مليكة بن خامسة ونجوى إكرام وأصبحت تنشّط أكثر من برنامج إذاعي ثقافيّ ( “مرادفات” و”لقاء الأحبّة” و”هواة الأدب”…[4]) وظلت تعمل بهذا المجال إلى حدود سنة 1984 لتعتكف إثرها في بيتها وتهجر الساحة الثقافية تماما حتّى عودتها إلى الإنتاج والظّهور في مطلع الألفية الثالثة.

  • سفيرة الشعر والثقافة التونسية في الخارج

حازت مبدعتنا التونسيّة الجائزة الأولى عن قصّتها “النّغم الحزين” في مسابقة أدبية انتظمت بباريس سنة 1958، ثم الجائزة الأولى أيضا لإذاعة باريس عن قصيدتها “الحبّ الضّائع” سنة 1959 حيث و شاركت في مؤتمر الأدباء العرب بغداد 1965.

وهي أديبة مترسّلة صاحبة رسائل تبادلتها مع أدباء ومثقفين ونقاد وسفراء عرب (أحمد رامي،عبد الرحمان فرفور، عبد العزيز سعود البابطين، سفير الإمارات العربية المتحدة…)[5]

  • رائدة الشعر التونسي النسويّ المعاصر:

هي أول شاعرة تونسية تصدر ديوانا شعريّا في تاريخنا القديم والمعاصر كان بعنوان “حنين” عن الدار التونسيّة للنشر سنة 1968 (تقديم مصطفى خريّف) ،وقد أودعته باكورة أشعارها التي جمعتها على امتداد السنوات الخمسين حتّى نهاية الستينات بعد نشرها نصوصا متفرّقة في نشريات وصحف أدبيّة مختصّة كمجلّة الفكر وجريدة العمل.

 ثم انقطعت عن النشّر مدّة طويلة ناهزت ربع القرن لأسباب ظلّت مجهولة روى فيها بعض النّقاد أزمة عاطفيّة لم تبح يوما لأحد بسرّ من أسرارها ولم تعرض إليها بذكر إلاّ إيحاء وتلميحا في قصيدة مطوّلة بمثابة جداريّة نظمتها سنة2009 بعنوان “عودة الفينيق” صدّرتها بالإهداء الآتي:

“مهداة إلى الأحبّة يتساءلون عن سبب اعتصامي بالصّمت النّبيل” وكانت من روائع الشعر العمودي المعاصر التي جمعت بين الفخر واللوّم والأسى مفعمة بمشاعر الحزن والغيظ لم تعدم نفسا حكميا وإحالات رمزية لأساطير البعث  القديمة تقول فيها : (من البسيط)[6]

شتّان بين السّها إن ناله نصب    وبين من دأبه التّقصير والزلل

قالوا: شهاب سيذوي من مجرّته     فكان بالكيد والتّجريح يكتمل

إن غاب طائرنا بالأمس محترقا    فاليوم يُبعث والأكوان تحتفل

جذلى بعودته للنـورمنتــــــصرا        يرنو لبعث جليل ماله مثل

وبعد ديوانها حنين وغيبتها المطوّلة واعتكافها بـ”الصمت

النبيل” أصدر لها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) مجموعتها الثانية بعنوان “آلاء” سنة 2002 وفيها قصائد ألفت من التسعينات إلى بداية

سنة 2000 لتنشر أعمالها الكاملة سنة عن دار محمّد علي الحاميّ بصفاقس،2014 ثمّ نشر لها الكريديف مرّة أخرى ديوانها الأخير “طائر الفينيق” سنة 2017 في طبعة أنيقة تضمّنت أشعارها الأخيرة مترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية.

وأحدث هذا المركز جائزة باسمها سنة 1995 أسندت تشجيعا للكاتبات والباحثات والباحثين المتميّزين في مجال الإبداع المختصّ بأدب المرأة التونسيّة ولا تزال هذه الجائزة تمنح لدعم مجال الإبداعات النسائية بتونس.

 درس شعرها أكثر من ناقد في تونس وخارجها فقد قالت عنها النّاقدة بنت الشاطئ في جريدة الأهرام بشرط احترازيّ ممتنع “لولا نبرة الحزن والأسى التي تطغى على معظم قصائدها لقلت هذه أميرة الشعر العربي” وكان هذا الحكم من دواعي تلقيب زبيدة بشير بـ“أميرة الشعر العربي” .

أمّا من يعود إليها فضل التعريف بالشاعرة وجمع أعمالها ودرسها فالباحثة التونسيّة سلاف بن فريخيّة التي أسندت لها لقبا آخر هو “قمريّة الخضراء” نسبة إلى إحدى أشهر قصائدها التي لها تسجيل صوتي وحيد بصوت الشاعر وقد نشرتها في ديوانها الأخير “طائر الفينيق” (ص37) .

وكتب عنها نقاد وشعراء آخرون كمعين بسيسو وصالح جودت وجليلة طريطر وحافظ الملولي، وأحمد العموري وأبو زيّان السعديّ وسلمى العطي وهيام الفرشيشي في عديد المجلات الورقية والمواقع الرقمية.

  • فما هو الموقف الشعريّ لزبيدة بشير في خضمّ التحوّلات التي عاشها الشعر التونسي على امتداد حقب ومحطّات؟
  • كيف تتنزّل تجربتها في سياق الكتابات الشعريّة المنظومة من الشعراء والشاعرات التونسيين والتونسيات؟ وهل باستطاعتنا مقاربة بعض تجربتها من مدخل ما بات يسمّى “الأدب النسويّ” و”الشعريّة النسويّة”؟
  • الموقف الشعريّ لزبيدة بشير في خضمّ تحوّلات الشعر التونسيّ المعاصر أيّة شعريّة؟ أيّة نسويّة؟

1-2 إطلالة على تاريخ الشعر التونسيّ المعاصر:

    في إطلالة تاريخيّة على الشعر التونسيّ المعاصر، نتبيّن أنّه شعر مميّز طابعا وأسلوبا بشخصيّته الثقافيّة الإبداعيّة التي جعلته يبدو مختلفا نسبيا عن بقيّة تجارب الشّعر العربيّ مشرقا ومغربا، من جهة خطاباته وطبيعة مواضيعه ومطروقاته ، إذ أبرز ملمح فيه تعلّقه الشّديد بواقعه وارتباطه الوثيق بحراك أفكاره وتغاير حوادثه والتقاطه صوره وأخيلته من تفاصيل مشاهده اليوميّة ووقائع الحياة برهيف إحساس مع رؤى ثاقبة . وهو رغم طغيان ذاتيّته ونزعته الغنائيّة يبدو منغمسا كليّا في بيئته ومرتهنه يطالعنا ساردا مصوّرا كشّافا مستكشفا مكاشفا باحثيه ونقّاده بنوع مخصوص من الفضاءات التعبيريّة التصويريّة ميزتهال التجديد والتجريب المتواصل والتوتّر المقصود والتطوّر المطّرد حتّى في إطار القوالب النظميّة الجاهزة: “فما من فترة مرّت من تاريخه لم توجب إحساسا بتغيير، ولم تدع إلى إثبات تململها، ممّا كان يوهن كاهلها من التركات القديمة “ [7]

وعندما نتقصّى تاريخه على امتداد القرن العشرين وما بعده نقف، بشهادة من دارسيه، على عدّة حركات شعريّة حطّت رحالها عند محطات إبداعيّة أربع متعاقبة لم تعدم تنافذا واتصالا مسردها على النّحو الآتي:

1/ محطة ” الشعر العصري “، ومستهلّها فجر القرن العشرين حينما كانت نقضا لتقليديّة التيّار “الإحيائي” العربيّ الذيّ ميّز قصائد القرن 19 م(نذكر خاصة قصائد الشاعر التّونسي محمود قبادو (1812-1872) ،ومن إرهاصات الاتجاه العصريّ قصيدة نشرتها جريدة “الحاضرة ” سنة ،1900 نظمّها الشاعر التونسي صالح السويسي القيروانـي (1978-1941)  (من الوافر) مطلعها

أَفِيُقوا يَا بَنِي الوَطَنِ الْمُعَلَّى          فَقَدْ طَالَتْ بِكُمْ سِنةُ الرُّقَادِ[8]

 

وقد نلمس في الشّعر العصريّ قيمة ونقلة نوعية انبثق من غضونها، تصوّر جديد للكتابة الشعريّة، محوره الجامع القطع مع تيّار المديح والأهاجي والاخوانيّات. وجميعها أغراض عدّت في ذلك الوقت، متقادمة مستهلكة ، ممجوجة ، بعيدة عن المنشود الشعري الذي رام جماعة الشعر العصري تأسيسه، وهو خلق شعريّة جديدة بعيدة عن التّكلف والاتّباع تخرج عن نمطية مكرورة أصبحت تشدّ خناق الشّاعر وتحسر دائرة القول ، وتحصره في ضائقة ” المديح والهجاء والرثاء ومقطّعات الغزل والوصف والمساجلة والألغاز والتاريخ والتشطير والتخميس بما يقصد فيه إلى ذات الفنّ والتسلية وقد استولى عليه البديع المصطنع فضعفت معانيه وتضاءلت فصاحته وتهلهل نسجه “ [9] .

يقول السويسي في ذلك (من البسيط) :

ياَ صَافِي الشَّعِرِ إنّ الشعر مُحْتَضَرُ      يَشْكُو الألى زَوَّقُـوهُ بِالأَبَاطِيـلِ
شعر الكِرَامِ الفُحُولِ اليـَوْمَ مُبْتَـذَلُ      مَا بَيْنَ نَوْحٍ وَمَدْحٍ غير مقبـُولِ

وقد جاوبه عديد الشعراء من التيّار العصري. وحاولوا تأكيد هذا المضمون الجديد، أبرزهم سعيد أبو بكر (1899-1948) وأبو الحسن بن شعبان (1897) وحسين الجزيري (1896-1974) ومحمّد الشاذلي خزندار (1881-1954)، الذي مثّل أهمّ رموز هذا التيّار، وقد رأى المؤرّخ السنوسي أنّ” شعره من طراز شعبي لا أثر للرّسميات فيه، ولا طابع للبلاط فيه، بل روحه مستمدّة من الحوادث المؤلمة، الّتي تقع على رأس هذا الشعب، ولا يخاطب فيها إلاّ روح أمتّه المتألّمة، الّتي أصبح متّحدا وإيّاها في أحلامه وآلامه منشدا:

 

              فِي الجِدِّ أَوْ فِي اللَّـعِبِ            أَرْوَاحُنَـا فِي نَهَــبِ

              مـن حَـادِثٍ بِحَـادِثٍ                     مُسْتَنْكَـرٍ مُسْتَغْــرَبِ

              حَتَّى مَتَى والتُّونِسِّـيُ                     مُسْتَهْـدَفٌ لِلْكــَرَبِ؟ [10]

2/ محطة الشعر الرومانسي الّتي سادت في الثلاثينات ومن أبرز أعلامها أبو القاسم الشّابي(1909-1934) وسالم الأكـودي (1881م-1961) والصّادق مازيـغ (1906-1992) ومحمّد زيـد (1916) ومصطفّى خريّف (1910-1967) وعبد الرّزاق كرباكة (1901-1945) ومحمّد المختار الوزير (1912-1983)

3/ حركة الشعر الحرّ الّتي ميّزت السنوات الخمسين واستمرّت إلى نهاية السنوات السّتين مع عدد كبير من الشعراء والشاعرات نذكرمحمّد العروسي المطوي (1920) والميداني بن صالح (1929) والطيّب الشريف (1935-1966) ومحي الدّين خريّف (1932) وأحمد اللغماني (1923) وأحمد القديدي (1946م) والشاذلي زوكار (1931) ومحسن بن حميدة (1919) وجمال الدّين حمدي (1935) وغيرهم … “كانت تنطق عن مدوّنة تكاد تكون متجانسة، تجايل شعراؤها وانشغلوا بقضايا تلك المرحلة”.[11] وقد مثّلت لحظة متوهّجة من لحظات الإبداع والتّجديد في تاريخ الشعريّة التونسيّة، بدأ معها القصيد التونسي يأخذ شاكلة الحداثة ويسجّل حضوره في واقعه متشبّعا بأفكار النضال والكفاح الوطني التونسي مؤازرا مشروع بناء الدّولة الوطنيّة الجديدة، وقضايا الطبقات الكادحة ومقاومة الجهل والفقر وكلّ ما كان رائجا في خطاب تلك المرحلة من المقولات التقدّميّة الاشتراكيّة.

4/  حركة الشعر الطلائعي أو التجريبي: كانت محطّة ثائرة متوهّجة على  محدودية الفضاء الزماني / المكاني، الّذي احتضنها لم تتعدّ نهاية الستينات وبداية السبعينات (1968-1972) وقد ، انبثقت بمثابة طفرة أو قفزة في الهواء طالت رقعة القانون الشعري العربي برمّته، وأعلن أصحابها بعنت وإصرار، قانون خرق نظام الأوزان الخليليّة ليخرجوا بما ابتدعوه من تسميات “غير العموديّ والحرّ” و”القصيدة المضادّة” و”شعر عمليّ” و”شعر بلا شعار” و“الشعر المرئيّ[12] ممّا ناهض مصطلحات الشعريّة العربيّة وخالف مفاهيم النّظم السّائدة في تونس والشّرق منذ القديم إلى حاضرهم ذاك، مثلما كان أيضا خروجهم عن نظام اللّغة الفصيحة واتباعهم نهج التدريج والتلهيج أو مزج العربيّة الفصحى بالدّارجة التونسيّة. فلم يشهد تاريخ الكتابة الأدبيّة، سواء أ في تونس أم خارجها من البلدان العربيّة ، مثيلا لهذا الحركة المتمرّدة في ثوريتها ونزقها وعنف ما نادى به أصحابها من مقولات النقض والرّفض والتبديل، حاملين لواء “التونسة” والشعريّة المحليّة أو انغراس الخطاب الشعريّ في محيطه وبيئته واعتناقه هويّة قطريّة[13] .

ومن الملاحظ أنّ شعريّة الطليعة كانت قد تغذّت من الأطاريح السياسيّة لتلك الفترة (الفكر البورقيبي ودعائم إيديولوجيا الدّولة الوطنيّة)، فضلا عن إحيائهم موقفا نقديّا سبقهم إليه الشاعر أبو القاسم الشابيّ كان قد صدح به علنا في محاضرته الشّهيرة التي أثارت أيّما ضجّة في فترة الثلاثينات “الخيال الشعريّ عند العرب”، وفيها وضع الأدب العربيّ القديم وماضيه الشّعريّ برمّته، موضع انتقاد وتساؤل عن جدوى اتباعه من شعراء وطنه مقرّا الاختلاف والتمايز “السيوسيو ثقافي” أو “السوسيوإبداعي” وإن لم يرق خطابه إلى درجة صريحة من الوعي بخلفيات المبحث، داعيا في المقابل إلى التخفّف من حمولة ظلّ وجداننا الشعريّ وخيالنا الإبداعيّ – في نظره- يرزحان تحت كلكلها طوال قرون وعصور،وقد اعتبرها الشابي قيودا و مكبّلات لهذا الخيال الشعريّ النفّاث الذي كان يصبو إليه مشروعه الشعريّ المحلّق بجناحين: جناح الواقع والتاريخ المحليّ وجناح الشعر الرومنطيقيّ الإنسانيّ الكوني ،وذلك من منطلق إيمانه العميق بضرورة فكّ الارتباط بين الشعريّة التونسيّة وأشعارالمشرق لغة وبلاغة وفكرا وروحا ،حتّى يتمّ نشدان التحرّر المطلق والانعتاق التامّ، ويتمكنّ هذا الشّعر من استعادة رحيق وجدانه والتخلّص من كلّ ما أفسد مزاجه ومزاج عصره.

لم يتوان شعراء الطّليعة بعد ثلاثة عقود من الزّمن عن استعادة نفس القولة التي صدح بها الشابي ومفادها : ” إنّما الذّي يغضّ منّا معشر التّونسيّين هو أن نتّخذ من هذا الأدب (المشرقي) الذي لم يخلق لنا، ولم نخلق له، غذاء لأرواحنا ورحيقا لقلوبنا لا نرتشف غيره “[14]

وأشهرهم الطّاهر الهمّامي والحبيب الزنّاد ومحمد صالح القرمادي و سمير العيّادي والبشير بن سلامة وفضيلة الشابي وغيرهم فأضافوا إلى الموقف الرافض بلاغة الشعر العربيّ القديم موقفا رافضا فكرة العمود الشعريّ أعلنوه في بياناتهم الفرديّة والجماعيّة بنفس الدرجة من الاستعلاء والخيلاء والصلافة فكان ميلاد أطروحتهم الثوريّة الجديدة مقرّين ضرورة إنشاء شعريّة تونسيّة مبنى و ومرجعا وصوتا ومعنى تكوّن في تاريخ الشّعر حركة مضادّة لأسلوب المشارقة وقواعد نظمهم ونواميس إيقاعهم العروضيّ الموزون ، لأنّ واجبها – حسبهم-  أن تنقض الماضي الشعريّ العربيّ وتناهض القصيدة العموديّة بوجه الخصوص.

 تدافع شعراء الطليعة نحو إنتاجات ( لم يحض معظمها برضا النقّاد وكانت ضعيفة في مجملها)  ألّفت مدوّنة من النصوص الهائجة المتنطّعة لا عهد للتجارب الشعريّة العربيّة والتونسيّة بها، اعتورتها رغبة محمومة مهتاجة في ترجمة موسيقى الأفكار وأنغام الحياة اليوميّة وخلجات الواقع التونسيّ المعيش، وذلك من منطلق تصوّرهم أن ثمّة ” حصارا “ يطوّق منطوق الشعر التونسي ويحدّ من قدرته على الولوج إلى دواخل القارئ وأعماقـه ، وأنّ الشاعر يواجه معضلة ” الحواجز القائمة بين الأدب والفنّ والجمهور “ ولقد أبان الهمامي في مقدّمة ديوانه“الحصار” في طبعته الثانية عن أنّ ” شعاره كان خلق أدب تونسي لحما ودما غير مقلّد للماضي ولا للشرق أو الغرب “، كما علّق الباحث توفيق بكّار على مجموعة الشاعر بكونها أشعار ” مأنوسة اللفظ قريبة العبارة “، قد لا تخلو من مباشرة وتصريحيّة “ سافرة . لكنّها لا تخلو أيضا من ” طبع شعري مبدع يباغت القارئ في معاطف الكلام “. والهمامي، حسبه ” لا يخشى اللفظة العاميّة من ” أفكار خامجة ” و” خائخ جدار “

 و” وقت كلب ” و” ريق شائح“، ينزلها في الكلام الفصيح فلا هي قلقة ولا هي نافرة تفوح برائحة الواقع وتنبض حيويّة ” . وبإمكاننا أن نلمس آثار كلّ ذلك في هذا النصّ للحبيب الزنّاد :

وقد يعترض المعترضون

من عارضي الأزياء

والعروض العريضه

والعروض المريضه

ومن العوارض

ومن المحافظين على الأعراض

بأنّ كلامي هذا غير موزون

فيه لحن فهو ملحون

غير قابل للتلحين … [15]

وفي نصّ ساخر الهمّامي من القصيدة العموديّة قال أيضا:

قصيدة عموديّة

عمودية أفقيّة

نفّاثة في العقد

حمّالة للشرّ

وجلاّبة للنّكد [16]

4/ محطة الشعر التونسي الحديث بكل تجلياته واتجاهاته وأساليب شعرائه وشاعراته أعطى مدوّنة شعريّة ضخمة متنوّعة امتدت من سبعينات القرن الماضي إلى الآن جامعة بين هياكل وأساليب نظمية متنوعة عمودية وحرّة ،ضمّت بين دفّات مجاميعها الغزيرة كذلك ما بات يعرف بقصيد النّثر ولنا فيها رأي ونقاش سنعرضه لاحقا.

 غير أنّ  الحقبة الأخيرة التي نعايشها إلى اللحظة وإن كان فيها الشعر المنتج الإبداعيّ الثقافيّ الأبرز والأكثر ضخامة وعددا من بين بقيّة المنتجات الأخرى القصصية والروائيّة والمسرحيّة ، إلاّ أنّ مدوّنته لا تزال إلى الآن سائبة مجهولة التخوم رخوة الحدود ، تبدو بمثابة متاهة أو سديم، رغم كلّ محاولات الثبت والتّكميم .وهي في نأج إصداراتها وتسارع نسق النشر والطباعة فيها، لا تفتأ تربك المؤرّخين والبحّاثة  وتجعل من عمليّة تحقيب هذا الشّعرعملا غير مكتمل أو شبه مستحيل تحقّقه، و هي لا تزال تشكّل قائمة مفتوحة ، قابلة في كلّ آن، للإضافة والحذف أو التعديل والتبديل.

وقد كنّا أحصينا منها في بحثنا حول الشعر التونسي في الثلث الأخير من القرن العشرين، أي بين 1970 و2000 ما ناهز 378 من الشعراء والشاعرات أصدر كل واحد منهم مجموعة واحدة على الأقلّ، ليبلغ عدد المجاميع خلال تلك الفترة (30 سنة) 626 لكنّنا نعتقد أنّ العدد قد تزايد بعد سنة 2000 وإلى الآن لا تملك أيّة دائرة من الدوائر العلمية الأكاديميّة أو الثقافية المختصّة بمبحث بيبلوغرافيّة الشعر التونسي ما يشفي الغليل ويزيح الشكوك ويثبّت إحصاء نهائيّا لما لدينا من هذا الشعر بغثّه وسمينه بما صدر عن دور نشر معروفة، وما كان من إنتاج مطابع مغمورة  انتشرت عبر أرجاء البلاد.[17]

2-2 شعريّة زبيدة بشير والموقف النسويّ المضادّ للنثريّة

    في خضمّ ما كنّا قد حاولنا ضبطه ومحاصرته من اتجاهات الشعر التونسيّ المعاصر ومحطّاته المتتالية تبرز تجربة الشّاعرة زبيدة بشير فريدة ،منفردة بموقفها الشعريّ الذي يظهر للوهلة ناشزا نافرا مختلفا عن جيل كامل من شعراء الخمسينات والستينات وما بعدهم إلى حدود السنوات الأولى من القرن العشرين تخلّى أغلبهم عن القصيدة العموديّة وعن الإيقاع العروضيّ بمفاهيمه التقليديّة . بينما لم تختر شاعرتنا ما اختاره معاصروها ومجايلوها وأيضا لم تنتح نحو شاعرات زمنها وعصرها ممن حبّذن الشعر الحرّ و قصيدة التفعيلة وما سمّي في ما بعد “قصيدة نثر”، لنجد أشعار زبيدة على الضّفة الأخرى من هذا المدّ، شديدة المحافظة والتقليديّة مستمسكة إلى أبعد حدّ بعروة الشعر العمودي الموزون المقفّى، فهي التي اختارت ركوب الصعب العصيّ والحرون الأبيّ “عروس القوافي”[18] القائلة:

تألّقت فجرا… تضوّعت عطرا     تناغمت شعرا… فماد القصيد

هو الوجد… يحدو خطاها إليكم   عروس القوافي أتت من بعيد

وهذا مبعث فخرها وازدهائها بمقدرتها الشعريّة: ( من البسيط)

إن قال قائلهم: أين التي خلقت   لحرف مملكة تعنو لها الدّول؟[19]

هذا ما جعلنا نذهب في اتّجاه القول إنّ زبيدة بشير في موقفها الشعريّ قد جسّدت نسويّة مغايرة للسائد والمألوف من نسويات كثيرة في زمنها وبيئتها، نسويّة مضادّة للتحرّر من الأوزان مجافية للنثر والنثريّة وقد ظلّ اتجاهها واضحا ثابتا ثاقبا لم يتغيّر، ولم يتزحزح قيد أنملة على امتداد تجربتها الطويلة وعمرها قرابة نصف قرن التزمت ثنيها في جميع قصائدها وعبر مجاميعها الثلاث العروض العربيّ والوزن والتقفية إلاّ في ما ندر من الشعر الحرّ أو شعر التفعيلة  مثال ذلك نصّ “عطاء المحال” من “ديوان الحنين[20] نظمته سنة1966 نظما حرّا ونشر ضمن مجموعة “آلاء” سنة 2002جاء فيه قولها:

حبيبي…

إذا جاءك المغرضون

وقالوا لغيرك غنّت

وقبلك للحبّ حنّت … وأنّت

فلا تلق بالا لما يزعمونْ

وأنت المنزّه فوق الظّنون

وهل كان يمكنني أن أحبْ

وما في الوجود سواك يحبْ…

لم تنشر زبيدة أبدا خاليا من تفعيلة أو قافية ويبدو أنّها ما اعترفت يوما في عقيدتها الشعرية بما يسمّى قصيد نثر أو قصيدا نثريّا.

إنّ نسويّة زبيدة بشير نسويّة اقتفت خطى الفحول من شعراء العرب القدامى واعتنقت شعريّة مضادّة للنثر والنثرية، خلافا لشاعرات تونسيات وعربيات كثيرات اتّخذن من خلخلة الأوزان دثارا ومن النثريّة شعارا لإبراز نسويّتهنّ على أنّها كتابة مضادّة لنهج الشعراء الذّكور ومن ورائها قيم الفحولة قيما ذكوريّة .

ما أحوجنا عندئذ إلى وقفة مفاهيميّة نعيد على أساسها مراجعة مفاهيم ثلاثة تبدو شديدة الالتباس والتعالق رغم ما فيها من تباين واختلاف ونحن نعني بذلك ما اصطلح عليه بـ “الشعر النسوِيّ” و“الشعر النّسائيّ” و“الشعر الأنثويّ” لنتوضّح الفروق الآتية:

فالنسائيّ نسبة إلى عموم النساء وإلى المرأة موضوعة شعريّة أو أدبيّة، حتّى وإن كان كاتب النصّ رجلا، والأنثويّ وسم موغل في “الجندرة” والجنوسة يجعل من الكتابة والإبداع تعبيرة عن آثار حضور الجنس أو النّوع في النصّ الأدبيّ موصولة بداهة بالكشف عن مواضع الأنوثة عبر اللغة وباللغة فتعلي الأنثويّة الأدبيّة والشعريّة من شأن أحاسيس المرأة وحسّها وما يوصل بغرائز جسدها ورغائبها وطقوسها الحميمة ولوازم وجودها الذاتيّ الخاصّ التي لا تتبع الرجل، ولكن من حيلها الاستمالية التأثيريّة عبر الخطاب الإيقاع بهذا الرّجل بين براثن الحسّ وغواية الإحساس وتجنيد كلّ ضروب الإثارة بالحسّ والكشف عن موطن الجمال الأنثويّ ومعالمه المخفيّة أو المكشوفة.

 بينما النسويّة مصطلح ذو محمل حجاجيّ احتجاجيّ أطلق للمرّة الأولى سنة 1892 في مؤتمر النّساء الدّولي ليدلّ على “الإيمان بالمرأة وتأييد حقوقها وسيادة نفوذها” .[21]

فالنسويّة تعبيرعن موقف فكريّ يؤكّد أنّ علاقة المرأة بوظيفة الكتابة والإبداع تقوم على مبدا المساواة بينها وبين الرّجل، وقد انبجس التيار النسويّ في الثقافة الغربيّة الحقوقيّة الاجتماعيّة من سياق ثائر، رافض شتّى أنواع القيود والأغلال التي تمنع حريّة المرأة المبدعة من الكتابة منعا راجعا في مجمله إلى هيمنة الرّجل على مؤسسة الإبداع والنّقد كسائر مؤسّسات المجتمع والثقافة والسياسة والاقتصاد وكلّ مجال مشترك بين الجنسين من مجالات الحياة.

ليست النسويّة الأدبيّة سوى شكل من أشكال الكتابة الثائرة التي من واجبها أن تصدع بمبادئ مناهضة العنف الماديّ والرمزيّ وكلّ مظاهر “القهر المسلّطة ضدّ المرأة “ أنّى كان مأتاها. فهي كتابة “المساواة التامّة في حقّ الكتابة والإبداع” على غرار المساواة في الحقوق والواجبات، لتكون من هذا المنطلق الحجاجي الاحتجاجيّ في الأدب والفنّ تعبيرا عن كلّ تجارب الإبداع التي خاضتها المرأة عبر تاريخها الاجتماعيّ والإنسانيّ الذي تسوده قيم الذكوريّة وقهر النّساء، وذلك حتّى تجسّد جنسانية خطاب المرأة المناهض جميع الأنساق والأنظمة الاجتماعية الثقافيّة الرمزيّة التي تكبّل حريّة المرأة أو تلك التي تضعها في منزلة الدّون.

 نتبيّن حينها بكلّ وضوح وعلى عكس ما قد نظنّ أنّ الخطاب الشعريّ لزبيدة بشير في نسويّته لم يتّخذ موقفا معاديا للرجل ولم يكن الجنس الآخر في قصائدها خصما أو منازعا على الشعر والشعريّة فهو مصدر الهوى ومبعث الحنين وهو المحبوب السرمديّ والمنادى المجاهر به أو الخفيّ ملازم خطابها الحاضر الغائب في تلافيف مناجاتها وهو الرجل الذي “تهواه وتحمله في سفر تكوينها “وقد وصفته بقولها:

 هواك أحمله في سرّ تكويني     ولهفة العمر تسري في شراييني[22]

وهو أيضا أخوها في أصل الشعر ورحم الكتابة وهي القائلة تصف نفسها: (من الكامل):

أخت الرّجال يراعها جمّ الندى     في كلّ حرف نشوة المتأمّل[23]

 لا تخجل زبيدة من إعلان مصالحتها مع هويّتها وإرث ثقافتها وهي التي لم تقطع الصلة مع ذاكرتها وأصولها العربيّة الإسلامية معجما وإيقاعا وبلاغة عن وعي وقصد ومسؤولية وكان خوض أشعارها في قضايا العاطفة والفكر والخيال والوطن والجمال والإنسان جامعا لكلّ الأبعاد الفرديّة النفسيّة والجمعيّة الثقافيّة والكونيّة المتشابكة إلى درجة إحياء تقليد الوقفة الطلليّة العربيّة القديمة التي تجاوزها عصرها بعصور لتقول في نصّ لها بعنوان “الطّلع النّضيد“: (من  البسيط )

قفوا جميعا فليل الحزن يجمعنا      وومضة النّور مازالت بأيدينا

الغدر.. والشرّ والأحزان تخنقنا     والحبّ مات مقتولا بين أيدينا[24]

وهي القائلة أيضا: (من البسيط)

إنّ البسوس إذا درّت جوارحها     فليس بالعنف بل باللطف تمتثل[25]

وكأنّ الشاعرة تشاركنا بنفس القيمة الموقف النّقديّ ذاته الذي كنّا قد عبّرنا عنه في أطروحتنا حول الشعر التونسي ونظميّته الحديثة كون “الشعر شعر والنثر نثر لا وجود لجنس ثالث ،وإن وُجود فهو هجين فاقد لملامحه وخصائصه الأجناسيّة المميّزة، لتنافيه مع مقوّمين أساسيين من مقومات الشعرية هما: “الوزن” و”الإيحاء”، فكان إقرارنا خاصيّة “النّظميّة” الشعريّة معادلة للشعريّة بوصفها مقوما أجناسيّا يخصّ الشّعر وحده، دون سواه، سواء أ،كان ملتزما البحر أم التفعيلة أم محافظا على أصداء ذاكرته الإيقاعية القديمة. فذاكرة الشّعر قديما وحديثا لم تتخلّص أبدا من قيمة الوزن خليّة حيّة متغلغلة في الأنسجة التركيبيّة البلاغيّة التي تجعل منه قولا منظوما ، والوزن في الشّعر عنصر ناظم مهيكل لترتيبات لفظ والمعنى لا مجرّد جرس خارجي أو عنصر دخيل على اللغة الشعريّة فعلى قدر الالتذاذ بالمسموعات يكون استكناه المفهومات.

 وإذا كان الجنس الأدبيّ “مبدأ تنظيميّا ومعيارا تصنيفيّا للنصوص ومؤسسة تنظيرية ثابتة تسهر على ضبط النصّ وتحديد مقوّماته ومرتكزاته وتقعيد بنياته الدلالية والفنية والوظيفية من خلال مبدأ الثبات والتغير”.. فهو “يساهم في الحفاظ على النّوع الأدبيّ ورصد تغيراته الجمالية الناتجة عن الانزياح والخرق النوعي.[26]

ما الشعر في أجناسيّته سوى قول موسوم بأقصى مظاهر نظميّته المعادلة – حسب اعتقادنا- “لنحويتّه السّابكة لشتّى مستويات نظمه أو واتساقه وانسجامه الشعريين مبنى ومغنى ومعنى وهي الشرط الأساسيّ كي يكون الشّعر شعرا ولا شيء سواه “.

فإن بدا إلحاق صفة الشعريّة بالأجناس النثريّة محمودا من جهة ارتقاء الجملة النثرية من مرتبة التسجيل، أي الدّرجة الصّفر من الإيحاء إلى درجات تعبيريّة ومجازيّة أقوى ، فإنّ الشّعر بما فيه من قوّة التطالب والاتساق والانضمام بين توقيع المسموعات ووقع المفهومات إن سقط في النثريّة كان قد أسقط أبرز مقوّمات أجناسيته أو تجنيسه وهما الوزن الشعريّ (لا العروضيّ) والبلاغة الشعريّة (بلاغة الخطاب المضادّ للتسجيل والنثريّة)[27].

 ولئن أبرزت الدراسات الحديثة أنّ الاستعارة مأتاها الفكر لا اللغة (ليكوف) [28] فقد لا يبدو الشّعر أكثر استعاريّة من النّثر، ولكنّ استعاراته تبقى دائما موصولة بالوزن وترتيبات النظم وتعلّق الكلم بعضه ببعض لينتج استعاراته على نحو منظوم موزون.

 وهنا قد يكمن الفرق الجوهريّ بين الاستعارة المنظومة نظما شعريّا وبين الاستعارات في النّثر خالية من قيمة الوزن ونجد بعض آثار لذلك عند الجرجانيّ في ” دلائل الإعجاز” عندما يقول:”وهل يقع في وهْم وإن جهِد أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن يُنظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف والنظم؟” فالنظم “اقتضاء آثار المعاني .. يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض وليس هو النّظم الذي معناه ضمّ الشيء إلى الشيء كيف جاء واتّفق[29].

ومن طرائف دفاعه عن الخاصيّة النظميّة للوزن قوله في نفس الكتاب وهو يفنّد بعض المزاعم :” وإن زعم أنّه ذمّ الشعر من حيث هو موزون مقفّى، حتّى كأنّ الوزن عيب وحتّى كأنّ الكلام إذا نُظم نظْم الشعر اتّضع في نفسه وتغيّرت حاله”[30]

ليس الشعر إذن، – كما يصفه جون كوهان- هو” النثر وقد أضيف إليه شيء” وإنّما هو “ضديده”(anti-prose)[31] الأصليّ من حيث التحديد الفطريّ لأنواع الكلام التي يتعرّفها المتلقي حدسيا وبحكم المواضعة الخطابية بين مجموعة من الأفراد. إنّنا نعتبر كلّ نصّ شعريّ يقترب من تخوم النثريّة نصا منخرطا في حركة هدم ذاتي ،حركة سلب (بينما هو “سلب للسلب”)و مناقضة لجوهر كامن فيه، بما هو خطاب “سام” يتميّز بكونه شكلا أرقى من الاستعمال اللغوي يتدّخل الجانب الصوتيّ كثيرا في إظهاره قيمته اللغوية والدلالية .

وهذا الجانب الصوتيّ مأتاه حسب اعتقادنا الوزن الشعري لا الإيقاع إذ كلّ نص ينطوي على خاصيّة إيقاعية و كلّ نصّ “موقع بآثار حضور المتكلم في الخطاب” وباعتبار أنّ الإيقاع ظاهرة خطابية لسانيّة مستكنّة في جميع أنواع البنى النصيّة الشعريّة وغير الشعريّة فهو- كما يصفه “غاستون ميرون (Gaston Miron)” مكوّن مهيكل للمعنى وعامل شكلي تكراري يعبّر عن مختلف تنظيمات النّبر الوقّعة داخل النسيج النصيّ، صوتية أكانت أم تركيبية أم معجمية أم بلاغية[32] وهو في الشعر منتج دلالي موصول بالمعنى وليس قيمة صوتيّة فحسب فإن كان “لاوجود لشعر خارج فكرة الوزن فلأنّه لا وجود لوزن خارج المعنى” وهذا ما نتبيّنه في أطروحة  تعدّ برأينا من أهمّ الأطروحات الحديثة  أعادت تأصيل مبدأ وزنيّة الخطاب الشعريّ للنّاقدة الفرنسيّة “لوسي بوراسا[33](Lucie Bourassa) .

  • آلاء الحنين ،فلق الشعر :

من يتصفّح مجموعتيها “حنين” و”آلاء” يلمح مدى طغيان الخطاب الغنائيّ على نصوصهما جمعاء ،وهو غرض موصول أساسا بالحنين موضوعة جامعة اخترقت مجمل قصائدها ،لم يخل معها نصّ من طلب وصل ومن الإصداح بنداء طافح بالصبابة والجوى.

وفي الحقيقة لم يتوقّف حنين الشاعرة إلى آخر أعمالها “طائر الفينيق” حتّى بعد غيبتها واعتكافها وإثر مضيّ سنوات من صدور ديوانها الأول :

فهي في الصّبح لهفة وانتظار    وهي في الليل هجعة وتوسّل[34](من الخفيف)

والحنين في تجربتها أكثر من مجرّد عنوان، وهناك أكثر من نصّ عنونته ذات التسمية، فهو علوان عليائها (العنوان هو أيضا علوان النصّ) و طود المأساة ومستقرّ القفلة الشعوريّة المتكرّرة.

وهو ما جعل من زبيدة شاعرة “النوستالجيا” الغنائيّة والنسويّة القلقة وقد شادت رقعة قلقها فضاء شعور عاطفيّ متعطّش إلى ما به حاولت سدّ شغور مخاطب مفقود اكتسى أكثر من وصف وقيمة فلم يكن مجرّد رجل محبوب ، بل أضحى في بعض قصائدها منشودا كونيا وقوّة غيبيّة مانحة لاصطبار والقدرة على الارتقاب والتحمّل. “إن لم تكن أنت فمن؟”[35]

تمتدّ رقعة مناجاة زبيدة بشير للمجهول الغائب على أكثر من خطّ و مدى إلى أن استحال  مدّه مددا إلهيّا فضاؤها الشعريّ مكتنز بالمحسوسات والمجرّدات عامر بالمعقولات والغيبيات ،لا مجال فيه للفصل بين الروح والعقل والجسد، هو ذا كونها الغنائيّ ومدار الذّات وقد تخلّت ثمّ تجلّت بكلّ ما يعنيه التخليّ من الزّهد في ما تعلّقت به قلوب الآخرين وبما ترشح به دلالات التجليّ من معاني الألق مع الفلْق (“فالق الحبّ والنّوى) بتسكين اللام و”الفلَق” (فلَق الصّبح) ، فهي شاعرة صحّ نعتها بـ “المفلقة” ولا شيء يبرّر – في نظرنا- قصر صفة الإجادة والجزالة وقوّة النّظم على الشعراء الرجال واستثناء شاعرة اختارت الصعب الحرون كزبيدة بشير.

زبيدة  شاعرة تونسية عموديّ “مفلقة” في زمن النّثر واستثقال الوزن وكراهة العروض لكّنها انتحت سبلا أخرى إلى رفد إيقاع الأوزان ومن ثمّ التحرّر من أبدع ما فيها ابتداع نوع جديد من الإيقاع المتحرّك بأشعتّه وظلاله على صفحت المتخيّل الشعريّ حينما نبصر تلاعبها بالقيم الضوئيّة واللونيّة وتعويلها على ثنائيات متقاطبة متقاطعة كالذبذبات فيها الإدلاج والإشراق والانبلاج والإغماض والخفاء والتجلي فيه النور والظلمة والماء والنّار والتراب والهواء والنبات والأجرام السماويّة وشتّى ألوان الطيف ونفحات الروض.

 فعلى قدر ما تشفّ غنائيّتها الحزينة الشجيّة عن حالة الفراغ والوحدة والغربة والخواء كان خطابها كثيفا ممتلئا نافيا للعدم دائما الصلة بمراجعه الروحيّة العقديّة يستمدّ من إيمانه منح العطاء ومدد الروح مهما انقطعت حبال الوصل بالآخر البعيد المتباعد المفارق في الزّمان والمكان.

أمّا لغتها الغنائيّة فإنشائيّة إلى أبعد حدّ تنبثق من الذّات وإليها مآبها وموئلها مدجّجة بكلّ أساليب الطلب الموظّفة لاستعادة ما فقدت بالنّداء والدّعاء والابتهال والتضرّع وضروب الاستفهام والتعجّب والأمر والنّهي…

وعلى أساس ذلك أسبغت الشاعرة على “ثيمة” الحنين دلالات الصوت المرتدّ إلى الأعماق يجاوب ترجيع الألم المتعاود ويثبّت أوتاد اللازمة التكرارية المداومة على النّداء والنّجوى، كيف لا وقد رفعت الشاعرة لواء الحبّ الأبديّ

هانت تباريحنا والوجد ماهانا                إنّا رفعنا لواء الحبّ مذ كانا[36]؟

كيف لا و“الشوق مجدها الأثيل الذي ليس يدركه الزوال[37]؟

فكان مسارا غنائيّا مضنيا ودربة تعبير وتأثير منحت الإيقاع الخارجيّ في شعرها العمودي شحنة دلالية مضافة لم تكتف بتوقيعات التفعيلة وعروض البحر وإنما كانت فلقا للمعنى من الصوت وألقا للمعنى يعكس ظلال الصورة.

 تلك قوّة اشتغال زبيدة على موضوعة الحنين وإعجازها الفنيّ ورهانها التجديديّ على أن تأتي بالطّريف المبتكر المستظرف من رحم القديم المستأنس المتأصّل المتغلغل في ذاكرة القارئ كما النصّ، وهو دليل ساطع من دلائل وعيها بقيمة الوزن والإيقاع ميزة نظميّة متكاملة في النصّ الشعريّ حتّى وإن بدا تقليديّا مقلّدا ،لأنّ منبته فكرة ومهبطه دفق ذهني متّصل و جرس دلالي مرتدّ على أعقابه بين الصدور والأعجاز وبين النصّ والنصّ وبين المجموعة الشعريّة والأخرى .

 الحنين رجع صدى التجربة برمّتها وقطب التوهّج الدّلاليّ والآلة الضابطة لإيقاع الوزن والمعنى الذي لم يكن أبدا في منظور زبيدة صوتا أو شبكة أصوات منظّمة منضّدة متوازية متساوية كما يفهم كثيرون مسألة الوزن فهما عروضيا ساذجا بينما هو في منظورها النسويّ المتأصّل نسغ الغناء ومقوّم وجود النصّ.

أمّا في ديوانها “طائر الفينيق” فلم يعد الآخر مركز الثقل ومحوره في الخطاب الشعريّ، بل الذّات والأنا المكلومة المستاءة من “اللغو” و”وابل الزّيف” والنّميمة” و”همز المنافق” وهي كلّها عبارات اخترقت نصوص المجموعةمنزاحة بها انزياحا تامّا في اتجاه مركزة الحضور في العالم باستعادة ذاتها المفقودة هذه المرّة، وليس أيّ شخص آخر وقد ظنّ من افتقدها طيلة غيبة سنوات أنّها لن تعود.

ليس يخفى على قارئ قصائدها الأخيرة أنّ شعريّتها النسويّة قد اقتفت آثار غرض لم نجد له في سابق القول والنّظم من “بلاغات النساء” تفخيم مآثر وتضخيم شأن مفاخرة ومكابرة، فباستثناء بعض الشاعرات كولادة بنت المستكفي قديما وجميلة الماجري أو فوزية العلوي حديثا، لا نكاد نعثر على فخريات نسويّة أو نسائيّة على مدى تاريخنا الشعريّ الطويل ، فإذا بزبيدة تبتدع فخرها بشعرها ولغتها وارتياضها قوافيها التي تأتيها “صاغرة” بنفس ملحميّ عوّض ما كان في قولها من تواضع وضعف وعجز مردّه الإحساس بالفاقة والحنين والاحتياج إلى ما به تسدّ مسدّ فقد الآخر.

 كلّ ذلك جعل غنائيتها تتحوّل إلى خطاب أسطرة شديدة التوهّج و الإيا (شعاع الشمس) والأنفة والكبرياء والإباء غلّفت صور الذّات بغلالة من نار فاتجهت قصائد مجموعتها الأخيرة إلى القصّ أو السّرد الشعريّ الملحميّ وقد استعارت رموز أساطير البعث القديمة من قبيل عصفور النّار أو العنقاء أو “السمندل” تروي من خلالها قصّة بعثها وانبعاثها بعد “صمت”: (من الرمل)

إنّها “أسطورة الصّمت” التي    كلّـــــما غابت تجلّت حاضره

إنّها “أيقونة الشعر” التي       جدّدت مجد العصور الغابره

هاهي “الخنساء” تزهو بينكم     قد حباها الله بشرى الصابره

فجرها جاء بشيرا سانحا            مانحا ما لايرى بالباصره

بل بحسّ النّفس في إدراكها   ما الذي تعنيه روح شاعره

صمتها اغرى فلولا أدبرت     فانبرت للضرب تحت الخاصره [38]

وبذلك حقّ  القول إنّ زبيدة بشير لم يعقها الوزن ولا التزام القافية ولا النّظم العموديّ  من تفجير طاقاتها الشعرية وتطوير تجربتها من نصّ إلى آخر ومن مجموعة إلى مجموعة حتّى بلغت في آخر مجامعيها ذروة الحداثة والتّجديد، وتركت للقرّاء والدّارسين قصائد عمودية لكنّها لم تكن تقليديّة أبدا ولا خانعة مستكينة ولا ضعيفة كما قد يتصوّر البعض ، بل كانت تجربة على ما فيها من محافظة وتأصّل ملتزمة بالصدق رافعة لواء القيم العربيّة النّاصعة لم يعجزها توليد المعنى ولا ابتكار الفكرة وصناعة المجازات واختلاق الأخيلة واستعارة الشعر من الشعر وبعث الحاضر من رحم الماضي مجلوبة أصداء ذاكرة خصيبة ثريّة ثرّارة ، لم تنفكّ يوما تراهن على منظومها وموزونها وعلى عمودها الشعريّ وعلى غزلها الذي هو وجدانها الثقافي الذي لم يبل ولم يكفّ عن بعث عنقاء الروح من رماد الحياة ليضخّ  دماء  لا تني تتجدّد وتتحفّز لمنح الكيان الشعريّ الأصيل المتأصّل ما باستطاعته أن يرتقي به إلى ذروة الإبداع.

لا أحد باستطاعته أن يطّلع على أشعار زبيدة بشير على امتداد قرابة نصف قرن من الإبداع والنشر دون أن يقف على نسويّة تونسيّة تميّزت بجزالة أسلوبها ورهافة رؤاها ومتانة لفظها ورقّة معناها دون أن تتخلّى عن التّعبير عن “حقّها في الشعر وحقّها في الحبّ وحقّها في الكتابة” رافضة كلّ تجنّ وكطلّ جحود وكلّ فضول يدنّس ملكوت عالمها المقدّس.

ولعلّ هذا مأتى فرادتها وجماليّة نحتها كيانها شاعرة مفقلة قبل أن تكون مجرّد امرأة رائدة سبقت غيرها إلى مغامرة الشعر.

[1]  زبيدة بشير، “آلاء”، منشورات الكريديف، تونس 2002، ص94

 [2] جليلة الطريطر، السيرة الذاتيّة الشعريّة من خلال “قمريّة الخضراء” لزبيدة بشير  مؤلّف جماعي أعدتّه سلاف بن فريخيّة، بعنوان ” زبيدة بشير قمريّة الخضراء”، منشورات مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة ،تونس 2011 ،ص 13

[3]  سلاف بن فريخيّة، زبيدة بشير قمريّة الخضراء، المرجع السّابق  ،ص -ص10-36

[4]  المرجع السابق، ص 10

[5]  المرجع السابق ص ص100-109

[6]  زبيدة بشير، طائر الفينيق، منشورات الكريديف، 2017، ص ص 19-24

[7] محمّد صالح الجابري : وضع القصيدة في الشّعر التّونسي المعاصر، الفكر، ع. 5، س. 12، فيفري 196، ص 9 .

[8] حمّادي صمّود : من تجلّيات الخطابي الأدبي، قضايا تطبيقيّة ، دار قرطاج ، تونس 1999 ، ص 20 .

لكن يختلف حمّادي صمّود ومحمّد صالح الجابري والفاضل بن عاشور حول أوّلية الشعر العصري ، فإذا كان صمّود يرجع ذلك إلى الشاعر صالح السويسي معتبرا أنّه نشر بجريدة الحاضرة سنة 1900 فإنّ بن عاشور يعزوه إلى الشاعر محمّد النخلي في قصيدته المنشورة بجريدة الحاضرة أيضا، لكن بتاريخ  12 أفريل 1901.

– محمّد الفاضل بن عاشور : الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس ، الدّار التونسيّة للنّشر ، تونس ، ص 95 .

أمّا الجابري فيعتبر أنّ أوّل نصّ حمل تسمية الشعر العصري كانت قصيدة السويسي القيرواني المنشورة قبل النصّين الأوّلين والّتي عنوانها “صرح ايفل” في معرض باريس وذلك بالجريدة ذاتها الحاضرة ولكن 18 جوان 1889 ومطلعها:

لم يبـدأ بـدع ممّـا كـان إنسـانُ   بما أفادته أزمـان وأمكـانُ
تجلو الحوادث آيات العجائب في   كلّ البقاع بما تبديه الذِّهَـانُ

– تاريخ الأدب التونسي الحديث والمعاصر ، إعداد مجموعة من الباحثين ، بيت الحكمة قرطاج 1993 .

انظر الباب الأوّل (1860 – 1920) ص 25 .

[9] محمّد الفاضل بن عاشور الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس ، المرجع السّابق ، ص 54 .

[10] زين العابدين السنوسي ، الأدب التونسي في القرن الرّابع عشر ، المرجع السّابق ، ص 22-23 .

[11] حسين العوري تجربة الشعر الحرّ في تونس حتّى نهاية 1968 : دراسة نقدية في الأشكال والمضامين ، منشورات كلّية الأداب ، منوبة ، تونس ، 2000 ، ص 15 .

[12] الطّاهر الهمامي ، سؤال الوزن عند شعراء الطليعة ، الحياة الثقافيّة س. 23 ، ع. 96 ، جوان 1998 ، ص40 .

2) الطّاهر الهمامي كلمة سيانيّة ثالثة الفكر ، مارس  1970 ، ص 94 ، أورده المقال السّابق ، ص 40 .

3) محمد بن صالح بن عمر والهادي بوحوش ، بين الجاز وغير العمودي والحرّ ، الفكر ، ع. 3  ، جانفي 1970 ، ص 57 .

4) محمد المصمولي ما بين الشعر الحديث والموسيقى الكلاسيكيّة ، العمل ، 19 جوان 1970  ، ص 3 .

[13] عز الدّين المدني ، نحن والسيادة الثقافيّة ، الفكر ع. 2 ، س. 16 ، جوان 1970 ص ص 28-29-35 .

2) البشير بن سلامة، في بعض الغايات من دراسة مقوّمات الشخصيّة التونسيّة، الفكر، ع. 4، س. 16، جانفي1971 ص 21 .

3) ” كلمة للتاريخ ” بيان أمضاه الطّاهر الهمامي وإبراهيم بن مراد والحبيب بن زناد والمنصف الوهايبي ومحمّد الباردي وحسين الواد، ومحمّد السويسي ونور الدّين بلقاسم، الفكر، ع. 5 ، س. 14، فيفري 1969 ، ص ص 75-76.

– ينظر أيضا بيان كتبه عز الدّين المدني حول الأدب التجريبي في مقال أوّل حمل عنوان الأدب التجريبي ، الفكر ، ديسمبر 1969 مجلّة ثقافة ع. 2 ، شتاء 1970 ، ص 6  .

وفي مقال ثان حمل عنوان الأدب التجريبي بين مراجعة ومواصلة ، العمل الثقافي الجمعة 11 سبتمبر 1970 ، ص 6 .

4) R. Barthe : Le théâtre de l´avant-garde – française , le français dans le monde 1961 n°2, juin juillet.

[14] أبو القاسم الشابي الخيال الشعري عند العرب ، الطبعة الثانية ، تونس 1961 ، ص 107 .

[15] الحبيب الزنّاد ، المجزوم بلم ، دار الثقافة ابن خلدون ، تونس  1970 ، ص ص 32-33.

[16]  الطاهر الهمامي، الحصار، المصدر السابق ، ص 38

[17]  سلوى العباسي، الشعر التونسي في الثلث الأخير من القرن العشرين، بحث في النظميّة الحديثة، أطروحة دكتورا نوقشت سنة 2010 بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بمنوبة سنة 2010 إشراف د. منصور قيسومة 999 ص. (انظر الجزء الأول خاص بالمدوّنة الشعرية وإشكالاتها)

[18]  زبيدة بشير، “آلاء” ، المصدر السابق، ص 94

[19]  زبيدة بشير، طائر الفينيق، المصدر السابق، ص 23

[20]  زبيدة بشير، آلاء، الكريديف، 2002، ص ص 1505-107

[21]  عامر رضا، الكتابة العربيّة النسويّة من التأسيس إلى سيادة المصطلح، مجلّة اللّغة، نقلا عن نعيمة هدى المدغري، النقد النسويّ حوار المساواة في الفكر والأدب، منشورات فكر ودراسات وأبحاث، الرباط المغرب، 2009، ص 18

[22]  زبيدة بشير، آلاء، المصدر السابق ، ص6

[23]  زبيدة بشير، طائر الفينيق، المصدر السابق، ص10

[24]  نفسه، ص13

[25]  ذكرته سلاف  بن فريخيّة، قمرية الخضراء، المرجع السابق، ص9

[26] جميل حمداوي،إشكالية الجنس الأدبيّ،مقال الكتروني،جميل حمداويJAMILHAMDAOUI@YAHOO.FR alwarsha.com

[27]  من نتائج بحثنا في رسالة الدكتورا “الشعر التونسي في الثلث الأخير من القرن العشرين”، بحث في النظمية الشعرية الحديثة، كلية الآداب بمنوبة، جوان 2010

[28]  جورج ليكوف، النظريّة المعاصرة للاستعارة، ترجمة طارق النعمان، مكتبة الإسكندريّة، 2014، ص6

[29]  عبد القاهر الجرجاني، دلالئل الإعجاز في علم المعاني، تح. محمد رشيد رضا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان ط.1،1988 ،ص 20

[30]  المرجع السابق ص 40

[31]Jean Cohen.Le haut language ,théorie de la poéticité ,Flammarion,Paris,1979,p11

[32]  Gaston Miron : le rythme, le sens, le sujet Chantal de Grandpré Voix et Images, vol. 10, n° 3, 1985, p. 126-136.

[33] Lucie Bourassa ,Rythme et sens des processus  rythmiques en poésie contemporaine, les éditions Balzac,Montréal-Canada,1993,p29

[34]  زبيدة بشير، طائر الفينيق، المصدر السابق، ص28

[35]  زبيدة بشير، آلاء، المصدر السابق، ص83

 زبيدة بشير، آلاء، المصدر السابق، ص[36]

[37]

[38]  زبيدة بشير، طائر الفينيق، المصدر السابق، ص46