دراساتكتابات

ورقة سياسات حول: إعادة توجيه نفقات الابتعاث الخارجي لتعزيز التعليم العالي وتطوير الكفاءات الوطنية في اليمن

جمال عبدالقادر عجلان

ملخص تنفيذي:

تناقش الورقة تحديات الابتعاث الخارجي في اليمن، وتظهر أن هذا النظام، الذي كان يُفترض أن يكون وسيلة فعالة لتأهيل الكوادر الوطنية، أصبح عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة. فالابتعاث الخارجي يستنزف موارد مالية ضخمة لتغطية التكاليف الدراسية والمعيشة، مما يزيد من الضغوط على ميزانية الدولة المتأزمة. وتتناول الورقة الآثار المرتبة على ذلك، إذ يعاني الطلبة المبتعثون من تأخر مستمر في استلام مستحقاتهم المالية، مما يؤثر على أدائهم الأكاديمي ويزيد من أعبائهم النفسية. وتبين من جهة أخرى، قضية “هجرة العقول” التي تتفاقم بسبب بقاء كثير من الطلبة في الخارج بعد التخرج، مما يؤدي إلى فقدان الكفاءات التي استثمرت فيها الدولة. وهذا يستدعي إعادة النظر في جدوى هذه السياسة، وتوجيه جزء من الموارد نحو تعزيز التعليم العالي في الداخل.

تقترح الورقة أن يتم توجيه الاستثمارات نحو تحسين البنية التحتية للجامعات اليمنية، وتوفير بيئة بحثية محفزة، مما يتيح توظيف الأكاديميين العائدين، وبالتالي تحسين جودة التعليم العالي. على اعتبار الاستثمار في التعليم المحلي ليس مجرد حل اقتصادي، بل هو خطوة لتعزيز التنمية الشاملة. وتدعو الورقة إلى إعادة تقييم سياسة الابتعاث الخارجي، وتبني نهج جديد يركز على تطوير التعليم العالي داخل اليمن، إذ يسهم هذا التوجه في تعزز قدرة البلاد على تحقيق التنمية المستدامة، وبناء نظام تعليمي قوي يواجه التحديات الوطنية بفعالية.

السياق العام:

في ظل الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها الحرب في اليمن، أصبح من الضروري أن تتكيف الدولة مع الظروف المتغيرة من خلال إعادة تقييم السياسات السابقة واقتراح استراتيجيات بديلة تلائم الواقع المعقد. والتحول والتطور لمواجهة المستقبل بكل ما يحمله من غموض. فالحرب تحدٍّ شامل يؤثر على كل جوانب الحياة.  ويفرض السياق الراهن على اليمن ضرورة التحول من الاعتماد على السياسات التقليدية التي كانت تعمل قبل اندلاع الحرب عام 2015 إلى نهج أكثر تكيفًا ومرونة. إذ يغدو التكيف في أوقات الحرب، أمرًا حتميًا، ليس فقط من أجل البقاء ولكن أيضًا لتحقيق تقدم طويل الأمد.  ويوفر فرصة لإعادة النظر في الأولويات الوطنية وإيجاد طرق مبتكرة لتعزيز القدرات المحلية.

من هذا المنطلق، يعد التعليم العالي (على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا القطاع) من المجالات التي يمكن أن تستفيد من هذه الأزمة، فالتعليم يمثل حجر الأساس في التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى. وإذا ما عدنا للتاريخ القريب يمكن الملاحظة بوضوح كيف فتحت الثورة اليمنية عام (1962م)، آفاقًا جديدة للتعليم العام والعالي، على نحو أسهم في توسيع قاعدة النخبة المثقفة التي قادت التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد، وأسهمت في إعادة تشكيل الهوية الوطنية، إذ كان التعليم بشكل عام، والتعليم العالي بشكل خاص قبل قيام الثورة اليمنية على العهد الإمامي الملكي محدودًا في نطاقه وفرصه، ثم جاءت الثورة وأثرت بشكل كبير على التعليم العالي، الذي كان مقتصرًا في العهد الإمامي على المؤسسات التقليدية والدينية، مع تركيز ضيق على العلوم الدينية والفقهية التي تخدم فكرة الامامة وتثبيتها وتعميق جذورها في عقول الناس[1]. ومع قيام الثورة، بدأت الجمهورية الوليدة في توسيع نطاق التعليم العالي وإنشاء جامعات جديدة[2]، وبالتدريج تحسنت فرص التعليم والتأهيل الأكاديمي وتطورت، وتم إدخال تخصصات حديثة في مجالات العلوم والهندسة والطب وغيرها[3]. ورغم هذا التوسع، لا يزال التعليم العالي يواجه العديد من التحديات، ومنها محدودية مصادر التمويل[4]، وضعف البنية التحتية، واستمرار الفجوة بين التعليم النظري واحتياجات سوق العمل. ودون شك تعيق تلك العيوب تحقيق الأهداف التنموية المرجوة من التعليم العالي في اليمن.

خلفية المشكلة:

إذا ما ركزنا بؤرة التحديق  الآن على معضلة بنيوية آخذة في التصاعد إزاء  أحد أهم أدوات التعليم العالي المتمثلة بالابتعاث الخارجي في اليمن، الذي كان يُنظر إليه بوصفه أداة فعالة لتأهيل الكوادر الوطنية، من خلال توفير فرص التعليم في جامعات مرموقة عربية وعالمية،  وتهدف إلى رفع مستوى التعليم، وتأهيل جيل من الأكاديميين والمختصين، فإنه يمكن الملاحظة بوضوح أن سياسية الابتعاث الخارجي قد شابها العديد من التحديات التي قيدت من تحقيق أهدافه الأساسية، وربما ولدت نقيض غايته، إذ أن الأزمات البنيوية التي ترافقت معه جعلت من الصعب تحقيق التطلعات المرجوة.

وتبرز التكلفة العالية للابتعاث الخارجي في بلد مثل اليمن كأحد أبرز هذه التحديات، إذ باتت تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة، خصوصًا في ظل الحرب المستمرة والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها[5]. إذ تتطلب سياسة الابتعاث مبالغ طائلة لتغطية الرسوم الدراسية والمعيشة والسفر لآلاف الطلبة، ما يزاد من الضغوط المالية على الدولة، ويجعل من الصعب الاستمرار في هذه السياسة بنفس الوتيرة.

إن التحدي المتمثل بالتكلفة العالية للابتعاث الخارجي، إلى جانب تراجع القدرة المالية للدولة عن الوفاء بالعديد من الالتزامات على الصعيد المحلي، ومنها  الوفاء بالتزاماتها تجاه الطلبة، كنتيجة منطقية لتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء الحرب[6]، نجم عنه معضلة معقدة باتت تتكرر باستمرار لا تتعلق فقط بتأخر دفع المستحقات المالية للطلبة المبتعثين، بل ترتبط بشكل أعمق بما ترتب عليه من آثار سلبية على مستوى الأداء الأكاديمي للطلبة، حيث يكون التفكير أسير لضغط الحاجة[7]، و يضطر العديد منهم للبحث عن مصادر دخل إضافية لتغطية نفقاتهم اليومية،  مما يحد من تركيزهم وقدرتهم على تحقيق نتائج إيجابية.

وينجم عن ذلك التحدي من ناحية أخرى معضلة أكثر خطورة إذ يختار الكثير من الطلاب المبتعثين البقاء في الدول التي يدرسون فيها بعد التخرج، أو البحث عن فرص عمل في دول أخرى بسبب عدم الاستقرار في اليمن، مما يفاقم من معضلة “هجرة العقول[8]” واستنزاف الموارد البشرية التي استثمرت فيها الدول[9]، وهذا الوضع إجمالا يعمق من الفجوة بين المهارات المتاحة في السوق المحلي واحتياجات التنمية الوطنية.

وهذا التحدي، يطرح سؤال مُلح عن جدوى الاستمرار في سياسة الابتعاث الخارجي،  التي و إن كانت لا تزال أداة مهمة لتأهيل الكوادر اليمنية، غير أن توجيه جزء كبير من هذه الموارد نحو تحسين التعليم العالي داخل البلاد قد يكون أكثر فعالية، خصوصا في ظل الانفاق الذي لا يكاد يذكر  على البحث العلمي[10]، لتعزيز البنية التحتية للجامعات اليمنية، وتحديث المعدات والتقنيات، وإنشاء مراكز بحثية تدعم الابتكار لتحقيق التنمية المستدامة. عبر الاستثمار في التعليم العالي المحلي، تقليل الاعتماد على الابتعاث الخارجي والذي يمنح فرص للحكومة في توفر بيئة تعليمية متقدمة للطلبة دون الحاجة للسفر إلى الخارج.

وتطمح هذه الورقة إلى محاولة أيجاد آلية لتحقيق رهانات التعليم العالي بأدوات ملائمة تواجه عثرات السياق الراهن، وتبدو فكرة إعادة توجيه الدعم للابتعاث الخارجي نحو تعزيز الاستثمار في تحسين بيئة التعليم العالي داخليا، خيارا يستحق التفكير في جدواه ودراسة كيفية تطبيقه، على نحو يمكن من الاستفادة من الكوادر الوطنية ومحاصرة هجرة العقول، بوصفها خطوة استراتيجية نحو تحقيق التنمية المستدامة، إذ أنها لا تقلل فقط من العبء المالي على الدولة، بل تسهم أيضًا في بناء نظام تعليمي قوي قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن،  وهو ما تسعى هذه الورقة إلى تقديمه، وفقا للمحددات التالية:

يوضح الشكل (1) معالجة تحديات الابتعاث الخارجي نحو تنمية تعليمية مستدامة في اليمن

 

بيان المشكلة:

تواجه اليمن تحديًا كبيرًا في إدارة مواردها المالية المحدودة وسط أزمات اقتصادية وسياسية مستمرة، ومن أبرز مظاهر هذا التحدي هو استمرار نفس سياسة الابتعاث الخارجي المعمول بها قبل اندلاع الحرب عام 2015، إذ أضحت هذه السياسة تمثل عبئًا ماليًا ثقيلًا على الدولة دون تحقيق الفوائد المرجوة من الابتعاث. فالتكلفة الباهظة للابتعاث، التي تشمل الرسوم الدراسية والمعيشة والسفر، تستنزف جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز مالي كبير. وهذا الاستنزاف لا يُعوض بالفوائد المتوقعة، خاصة مع تفاقم ظاهرة “هجرة العقول” حيث يفضل الكثير من الطلاب المبتعثين البقاء في الخارج، مما يحرم اليمن من الاستفادة من استثماراتها في التعليم. إلى جانب ذلك، يعاني الطلاب المبتعثون من تأخر مستمر في استلام مستحقاتهم المالية، مما يؤثر سلبًا على أدائهم الأكاديمي ويضيف أعباء نفسية ومالية عليهم.

وفي سياق التحديات التي تواجه التعليم العالي في اليمن، نجد أن الرواتب الضئيلة التي يتقاضاها الأساتذة الجامعيون تُعد من أبرز المعوقات التي تقف أمام تحسين جودة التعليم. فراتب الأستاذ الجامعي، الذي بالكاد يعادل 140 دولار شهريًا[11]، لا يكفي لتأمين حياة كريمة، مما يؤدي إلى  دفع تركيزهم نحو أنشطة أخرى بعيدًا عن الأكاديمية. إضافة إلى ذلك، يواجه الحاصلون على درجة الدكتوراه الذين اختاروا العودة إلى البلاد مشكلة البطالة، حيث لا تجد الدولة القدرة على استيعابهم في سوق العمل الجامعي، مما يزيد من هدر الكفاءات الوطنية ويعمق الأزمة في التعليم العالي .وفي ظل هذه الظروف، تصبح الحاجة ملحة لبلورة سياسة جديدة تهدف إلى إعادة توجيه الموارد المالية المخصصة للابتعاث الخارجي نحو تحسين التعليم العالي داخل اليمن مسألة ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة.

يوضح الشكل(2) التحديات المالية والأكاديمية للتعليم العالي في اليمن

أصحاب المصلحة:

 الفائدة المرجوة من إعادة توجيه الدعم المخصص للابتعاث الخارجي نحو تعزز التعليم العالي في الداخل، تشمل عدة مستويات، كل منها يستفيد بشكل مباشر من تحسين بيئة التعليم العالي لها، وإجمالاً تمتد الفائدة لتشمل الفئات التالية:

  • الحكومة اليمنية: بمؤسساتها المختلفة، مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة المالية.
  • المؤسسات الأكاديمية المحلية: مثل الجامعات الحكومية والخاصة والمراكز البحثية، ستكون المستفيد الأكبر من هذا التوجه. إذ أن تحسين البنية التحتية وتطوير البرامج الأكاديمية سيعزز من قدراتها على تقديم تعليم عالي الجودة.
  • أعضاء هيئة التدريس والباحثون: الذين سيشهدون تحسينات في قدراتهم العلمية والمادية بفضل زيادة الاستثمار في التعليم العالي الداخلي، و تعزيز الدعم المالي والموارد سيتيح لهم فرصًا أكبر للتطوير المهني والمشاركة في مشاريع بحثية رائدة.
  • الطلاب وأسرهم: الذين سيستفيدون من فرص تعليمية محلية متقدمة دون الحاجة للسفر إلى الخارج. هذا التوجه سيوفر للطلبة تعليمًا عالي الجودة في بيئة مألوفة وبتكاليف أقل، مما يخفف من الأعباء المالية على الأسر.
  • سوق العمل اليمني: الذي سيستفيد من تخريج كوادر مؤهلة تمتلك المهارات والمعارف اللازمة لتلبية احتياجات السوق المحلي.

البدائل المتاحة:

  • تقليص الابتعاث الخارجي وقصره على التخصصات النادرة.

   – يهدف هذا الخيار إلى الحد من الابتعاث الخارجي فقط للتخصصات التي تفتقر إليها البلاد بشكل حاد، مما يوفر تكاليف كبيرة مع الحفاظ على جودة التعليم.

  • إنشاء برامج دراسات عليا بالتعاون مع جامعات دولية داخل اليمن.

   – توقيع شراكات مع جامعات مرموقة لتقديم برامج دراسات عليا محليًا، مما يعزز من فرص التوظيف للأكاديميين العائدين ويقلل من تكاليف الابتعاث.

  • إلغاء الابتعاث وتحسين الرواتب والبنية التحتية للجامعات المحلية

   – تخصيص الموارد لتطوير البنية التحتية التعليمية ورفع رواتب الأساتذة لتحفيزهم على تحسين جودة التعليم.

الخيار الأكثر منطقية:

إنشاء برامج دراسات عليا بالتعاون مع جامعات دولية داخل اليمن، إذ يجمع هذا الخيار بين توفير التكاليف، تحسين جودة التعليم، وتوظيف الأكاديميين العائدين، مما يحقق استدامة وتقدمًا طويل الأمد في التعليم العالي باليمن.

الوصف العام للمقترح:

تقوم فكرة  هذا المقترح على إنشاء برامج دراسات عليا بالتعاون مع جامعات عربية و دولية مرموقة لتقديم تعليم عالي الجودة داخل اليمن، ويكون التأطير الأكاديمي في بداية الأمر تحت إشراف مشترك بين أساتذة محليين وأساتذة دوليين، مع الاستفادة من الأكاديميين اليمنيين العائدين من الخارج, وقصر الايفاد للخارج على التخصصات النادرة  جدا والتي تحتاجها البلد، وضمن البلدان التي تمنح الدولة مقاعد مجانية (التبادل الثقافي) وبهذا الشكل يمكن تقليل تكلفة الابتعاث الخارجي بشكل كبير وتوظيف العائدين، مما يحسن من جودة التعليم العالي ويوفر فرص عمل لهم.

الحجة المنطقية للمقترح:

بلغت تكاليف الابتعاث الخارجي[12] 50 مليون دولار سنويًا لـ7000 طالب[13]، مما يشكل عبئًا هائلًا على الدولة، في المقابل لا تتجاوز رواتب الأساتذة الجامعيين الحاصلين على درجة الاستاذية 300,000 ريال يمني (حوالي 158 دولارًا)، مما يزيد من الصعوبات التي يواجهها التعليم العالي. وتقود فكرة هذا المقترح إلى تقليل العبء المالي وتوفير مبالغ كبيرة لخزينة الدولة من خلال تقليص تكاليف الابتعاث الخارجي، وتوظيف الأكاديميين العائدين، والاستفادة من الكفاءات العائدة في تحسين التعليم العالي داخل البلاد، وتحسين جودة التعليم، عبر إنشاء برامج دراسات عليا محلية بالتعاون مع جامعات دولية وعربية مرموقة.

عناصر المقترح:

تخفيض نفقات الابتعاث الخارجي:

   – تقليص الابتعاث الخارجي ليقتصر على التخصصات النادرة جدًا، والاعتماد على برامج التبادل الثقافي التي لا تكلف الدولة كثيرًا. يمكن تخصيص (5 ملايين دولار) فقط لهذه الغاية.

  إنشاء برامج دراسات عليا محلية:

   – بالتعاون مع جامعات دولية وعربية مرموقة، يمكن إنشاء برامج دراسات عليا داخل اليمن بتكلفة (15 مليون دولار). ونكون هذه البرامج تحت إشراف أساتذة دوليين ومحليين.

توظيف الأكاديميين العائدين:

   – تخصيص (5 ملايين دولار)لتوظيف الأكاديميين العائدين، مما سيحسن من جودة التعليم العالي في البلاد، ويوفر فرص عمل للمختصين.

الفوائد والنتائج المتوقعة:

– توفير مالي: سيتم توفير حوالي (25 مليون دولار) لخزينة الدولة سنويًا.

– تحسين التعليم: زيادة جودة التعليم العالي المحلي من خلال برامج متقدمة واستثمار في البنية التحتية الأكاديمية.

– استفادة من الكفاءات العائدة: خلق فرص عمل للأكاديميين العائدين وتوظيف خبراتهم في تطوير التعليم العالي.

تجارب ناجحة:

  • برنامج “العلوم بدون حدود” في البرازيل: كان هذا البرنامج يركز في البداية على إرسال الطلاب إلى الخارج، لكنه تم تعديله لاحقًا ليشمل استثمارات محلية أكثر في التعليم العالي. كان هدف التحول هو بناء القدرات المحلية من خلال تعزيز المؤسسات البحثية المحلية وتقديم منح تنافسية للمشاريع البحثية داخل البرازيل. هذه الخطوة ساعدت في الاحتفاظ بالمواهب وتعزيز الابتكار والبحث المحلي.[14]
  • سياسة التعليم الجديدة في الهند 2020: تركز هذه السياسة على تقليل الاعتماد على التعليم الأجنبي من خلال تحسين جودة التعليم العالي داخل الهند. تشجع السياسة على إقامة شراكات مع الجامعات العالمية لجلب تعليم عالي الجودة إلى المؤسسات الهندية، مما يسهم في الاحتفاظ بالمواهب وتقليل تدفق الطلاب إلى الخارج[15].

الخطة الزمنية لتنفيذ المقترح (2025-2027)

الربع الأول 2025 (يناير – مارس):

– التخطيط والتنسيق:

  – تشكيل لجنة مشتركة من وزارة التعليم العالي والجامعات اليمنية لتنسيق تنفيذ البرنامج.

  – بدء مفاوضات مع الجامعات الدولية لتحديد الشراكات المناسبة.

  – حصر الأكاديميين العائدين وتقييم خبراتهم.

الربع الثاني 2025 (أبريل – يونيو):

– إبرام الشراكات الدولية:

  – توقيع اتفاقيات شراكة مع الجامعات الدولية لتقديم برامج الدراسات العليا في اليمن.

  – إعداد حملات توظيف للأكاديميين العائدين بالتعاون مع الجامعات المحلية.

الربع الثالث 2025 (يوليو – سبتمبر):

– بداية التنفيذ:

  – بدء برامج التأهيل والتدريب للأكاديميين العائدين بالتعاون مع الجامعات الدولية.

  – بدء تحسين البنية التحتية في الجامعات المستهدفة، بما في ذلك تطوير المختبرات والمعامل.

الربع الرابع 2025 (أكتوبر – ديسمبر):

– التوظيف وإطلاق البرامج:

  – تعيين الأكاديميين العائدين في الجامعات اليمنية وفق الخطة الموضوعة.

  – إطلاق البرامج الدراسية الجديدة في الجامعات بالتعاون مع الجامعات الدولية.

السنة الثانية 2026 (يناير – ديسمبر):

– المتابعة والتقييم:

  – تقييم الأداء الأولي للبرامج الدراسية ومراجعة المناهج إذا لزم الأمر.

  – إطلاق الدفعة الثانية من الطلاب في برامج الدراسات العليا.

  – تنظيم مؤتمر أكاديمي دولي في اليمن لعرض نتائج البرامج والأبحاث وتقديم توصيات للاستدامة.

الخاتمة:

إن تتبع خلفية مشكلة الأعباء المالية للابتعاث الخارجي، وبيان مشكلته، واقتراح الحلول، خلصت هذه الورقة إلى عدة نتائج وتوصيات:

اولاً النتائج:

خلصت هذه الورقة إلى أن سياسة الابتعاث الخارجي في اليمن، التي كانت تهدف في الأصل إلى تأهيل الكوادر الوطنية، قد تحولت إلى عبء مالي كبير على الدولة. حيث تستنزف هذه السياسة موارد مالية ضخمة لتغطية تكاليف الدراسة والمعيشة للطلاب المبتعثين، مما يفاقم الضغط على ميزانية الدولة المتأزمة. كما فاقمت من ظاهرة “هجرة العقول”، حيث يبقى العديد من الطلاب في الخارج بعد التخرج، إلى فقدان الكفاءات التي استثمرت فيها الدولة، مما يعمق الفجوة بين الاحتياجات الوطنية والقدرات المتاحة.

التوصيات:

  • إعادة توجيه الموارد نحو التعليم العالي الداخلي: توصي الورقة بتقليص الابتعاث الخارجي وقصره على التخصصات النادرة التي تفتقر إليها البلاد بشكل حاد، مما يسمح بتوفير جزء كبير من الموارد المالية. يمكن استخدام هذه الموارد في تحسين البنية التحتية للجامعات اليمنية وتطوير بيئة بحثية محفزة، مما يعزز جودة التعليم العالي ويتيح توظيف الأكاديميين العائدين.
  • تعزيز الشراكات الأكاديمية الدولية: إنشاء برامج دراسات عليا بالتعاون مع جامعات مرموقة دوليًا لتقديم تعليم عالي الجودة داخل اليمن. هذا النهج سيسهم في تقليل التكاليف وتوفير فرص تعليمية متميزة داخل البلاد، مما يقلل من الحاجة إلى الابتعاث الخارجي.
  • تحسين أوضاع الأكاديميين المحليين: توظيف الأكاديميين العائدين برواتب معقولة وتحسين الأوضاع المالية لأعضاء هيئة التدريس المحليين لضمان استقرارهم وزيادة إنتاجيتهم الأكاديمية، مما ينعكس إيجابًا على جودة التعليم العالي.

باتباع هذه التوصيات، يمكن لليمن تحقيق تحسينات ملموسة في نظام التعليم العالي، والاستفادة القصوى من موارده المالية والبشرية، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي احتياجات البلاد.

المصادر:

  • إبراهيم محمد صالح: مصادر تمويل التعليم الجامعي في الجمهورية اليمنية، مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس، العدد 41 الجزء الثالث، 2017.
  • عدنان عبده ناشر عبدالله: التعليم في العهد العثماني الإمامي والملكي والبريطاني في اليمن إلى الثورة اليمنية 1962م، رسالة ماجستير، كلية التربية الجامعة الأردنية، 1994.
  • خليل محمد الخطيب: تمويل التعليم العالي في الجمهورية اليمنية( التحديات والسياسات والخيارات الاستراتيجية)، مجلة اللبية لعلوم التعليم، العدد الثامن، فبراير
  • الصفواني, & صادق محمد. (2019). تأسيس البعثات الطلابية اليمنية في مصر في ثلاثينيات القرن العشرين. Arabian Humanities. Revue internationale d’archéologie et de sciences sociales sur la péninsule Arabique/International Journal of Archaeology and Social Sciences in the Arabian Peninsula, (12).‏
  • تقرير: قياس الفقر المتعدد الأبعاد في اليمن، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ديسمبر 2023، ص 9، على الرابط: https://www.undp.org/sites/g/files.
  • World Bank. (2024). Yemen economic monitor: Navigating increased hardship and growing fragmentation (Spring 2024 edition). World Bank Group.
  • نجم الدين قاسم: يأس وحرمان ومحاولات انتحار: الحرب تلاحق الطلبة اليمنيين إلى غربتهم، مقال على موقع درج ميديا، نشر بتاريخ 14.06.2022، شوهد بتاريخ 23-8-2024، على الرابط التالي: https://daraj.media.
  • تقرير نشر على موفع العربي 21، بعنوان: ترتيب الدول العربية بحسب هجرة الكفاءات منها، نشر بتاريخ 16-4-2023، شهود بتاريخ 23-82024، على الرابط التالي: https://arabi21.com/story/1506945.
  • آسيا شكيرب وآخرون: لماذا يهاجر الشباب العربي: بحوث في إشكاليات الهجرة والمستقبل، الطبعة الأولى، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطرـ 2019.
  • فهمي خالد: نظام التعليم العالي في اليمن: حرب استنزاف، نشر على موقع منتدى سلام اليمن، بتارخ 26 مارس 2024، شوهد بتاريخ 20-8-2024م، على الرابط التالي: https://sanaacenter.org/ypf/ar/higher-education-in-yemen.
  • International Budget Partnership. (2023). Open Budget Survey 2023: Yemen. Retrieved from https://www.internationalbudget.org/open-budget-survey
  • فارق محافظ: بمبلغ 50 مليون دولارٍ سنوي.. نخب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تستحوذ على المنح الدراسية لأقاربها، مقال منشور بموقع مواطن، بتاريخ 3 يتاير 2023م، شوهد بتاريخ 23-8-2024، على الرابط التالي: https://muwatin.net/40255
  • Brazil’s “Science Without Borders” Program: Lopes, C. V. A., & Albuquerque, G. S. C. D. (2020). O programa Ciência sem Fronteiras faz diferença na vida dos jovens universitários brasileiros? SciELO Humanas. Retrieved from
  • https://humanas.blog.scielo.org/blog/2020/02/04/o-programa-ciencia-sem-fronteiras-faz-diferenca-na-vida-dos-jovens-universitarios-brasileiros/
  • India’s Education Policy: Ministry of Education, Government of India. (2020). National Education Policy 2020. Ministry of Education. Retrieved from https://www.education.gov.in/sites/upload_files/mhrd/files/NEP_Final_English_0.pdf

 الهوامش

[1] عدنان عبده ناشر عبدالله: التعليم في العهد العثماني الإمامي والملكي والبريطاني في اليمن إلى الثورة اليمنية 1962م، رسالة ماجستير، كلية التربية الجامعة الأردنية، 1994، ص 25.

[2] ينظر للمزيد. تقرير التعليم في اليمن: الواقع والتطلعات التحديات والمعالجات المقترحة، إعداد مكتب وزير التربية والتعليم، ص 15.

[3] ينظر للمزيد. الصفواني, & صادق محمد. (2019). تأسيس البعثات الطلابية اليمنية في مصر في ثلاثينيات القرن العشرين. Arabian Humanities. Revue internationale d’archéologie et de sciences sociales sur la péninsule Arabique/International Journal of Archaeology and Social Sciences in the Arabian Peninsula, (12).‏

[4] يعاني قطاع التعليم العالي من نقص كبير في مصادر التمويل، إذ يعتمد بشكل أساسي على التمويل الحكومي الذي يمصل نسبة 94% من مصادره، في حين لا تتجاوز نسبة الانفاق الحكومي على التعليم العالي نسبة 4% من إجمالي نفقات الدولةـ للمزيد من التفاصيل أنظر. إبراهيم محمد صالح: مصادر تمويل التعليم الجامعي في الجمهورية اليمنية، مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس، العدد 41 الجزء الثالث، 2017، ص 19- 33.

[5] يتحل اليمن الــذي يبلــغ عــدد ســكانه 30 مليــون نســمة المرتبــة 153 علــى مؤشــر التنميــة البشــرية، والمرتبــة 138 فــي الفقــر المدقــع، والمرتبة 147 في متوسط العمر المتوقع، والمرتبة 172 في التحصيل العلمي، أنظر تقرير: قياس الفقر المتعدد الأبعاد في اليمن، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ديسمبر 2023، ص 9، على الرابط: https://www.undp.org/sites/g/files

[6] يشير أحدث تقرير للبنك الدولي  من تقرير المرصد الاقتصادي لليمن أن الاقتصاد اليمني يواجه عقبات كبيرة، حيث يؤدي الصراع المستمر والتوترات الإقليمية إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعانيها البلاد. أنظر:

World Bank. (2024). Yemen economic monitor: Navigating increased hardship and growing fragmentation (Spring 2024 edition). World Bank Group.

[7] هناك حالات تشير إلى تعرض بعض الطلاب لضغوط نفسية حادة دفعت بعضهم للتفكير بالانتحار. أنظر. نجم الدين قاسم: يأس وحرمان ومحاولات انتحار: الحرب تلاحق الطلبة اليمنيين إلى غربتهم، مقال على موقع درج ميديا، نشر بتاريخ 14.06.2022، شوهد بتاريخ  23-8-2024، على الرابط التالي: https://daraj.media.

[8] احتل اليمن المركز الثالث في مؤشر هجرة العقول العربية وفقا للتقرير الذي نشره موقع (Global Economy)، أنظر تقرير نشر على موفع العربي 21، بعنوان: ترتيب الدول العربية بحسب هجرة الكفاءات منها، نشر بتاريخ 16-4-2023، شهود بتاريخ 23-82024، على الرابط التالي: https://arabi21.com/story/1506945,

[9] ينظر للمزيد حول هجرة العقول: آسيا شكيرب وآخرون: لماذا يهاجر الشباب العربي: بحوث في إشكاليات الهجرة والمستقبل، الطبعة  الأولى، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطرـ 2019.

[10] خليل محمد الخطيب: تمويل التعليم العالي في الجمهورية اليمنية( التحديات والسياسات والخيارات الاستراتيجية)، مجلة اللبية لعلوم التعليم، العدد الثامن، فبراير 2023ـ ص 201.

[11] بعد أن كان راتب الدكتور الجامعي يعادل نحو (1000 دولار أمريكي) بداية الحرب، صار يعادل الآن (140 دولارًا أمريكيًا تقريبًا)، أما راتب المعيد فصار يعادل الآن (45 دولارًا أمريكيًا تقريبًا) بعد أن كان يعادل نحو (350 دولارًا أمريكيًا)

أنظر. فهمي خالد: نظام التعليم العالي في اليمن: حرب استنزاف، نشر على موقع منتدى سلام اليمن، بتارخ 26 مارس 2024، شوهد بتاريخ 20-8-2024م، على الرابط التالي: https://sanaacenter.org/ypf/ar/higher-education-in-yemen/#_ftn3.

[12] في الواقع يبدو العثور على إحصائيات دقيقة حول تكاليف الابتعاث الخارجي في اليمن، تحديًا،  نظرًا لضعف الشفافية وعدم توافر الوثائق المالية العامة من الحكومة اليمنية، وفقًا لتقرير “Open Budget Survey 2023″، تحصل اليمن على درجة منخفضة جدًا في الشفافية المالية، حيث لا تتوفر تقارير علنية حول توزيع الميزانية أنظر:

International Budget Partnership. (2023). Open Budget Survey 2023: Yemen. Retrieved from https://www.internationalbudget.org/open-budget-survey.

[13] فارق محافظ: بمبلغ 50 مليون دولارٍ سنوي.. نخب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تستحوذ على المنح الدراسية لأقاربها، مقال منشور بموقع مواطن، بتاريخ 3 يتاير 2023م، شوهد بتاريخ 23-8-2024، على الرابط التالي: https://muwatin.net/40255

[14] Brazil’s “Science Without Borders” Program: Lopes, C. V. A., & Albuquerque, G. S. C. D. (2020). O programa Ciência sem Fronteiras faz diferença na vida dos jovens universitários brasileiros? SciELO Humanas. Retrieved from https://humanas.blog.scielo.org/blog/2020/02/04/o-programa-ciencia-sem-fronteiras-faz-diferenca-na-vida-dos-jovens-universitarios-brasileiros/

[15] India’s Education Policy: Ministry of Education, Government of India. (2020). National Education Policy 2020. Ministry of Education. Retrieved from https://www.education.gov.in/sites/upload_files/mhrd/files/NEP_Final_English_0.pdf