قراءة في كتاب

قراءة في   (اللانداي) الشعر الشعبي -للنساء البشتون

هالة عثمان

في مجتمع يرزح تحت ثقل السلطة الاجتماعية الذكورية من ناحية،وينقاد إلى السلطة الدينية من ناحية أخرى،ورغم كل أشكال القهر التي تمارس ضد النساء في مجتمعات قبائل البشتون التي تسكن غرب باكستان وأواسط وشرق افغانستان،في مجتمع كهذا نشأ الشعر الشعبي المسمى باللانداي، وهو عبارة عن أشعار سرية تبدعها النساء ويتناقلنها شَفَاهاً يعبرن من خلالها عن العشق والحرمان والشوق والعواطف المتمردة في مجتمع يعتبر الحب من المحرمات فتصرخ كل امرأة بأعلى صوتها :

أحبه! أحبه !

لا أخفي ذلك،

لن أنكره 

حتى لو قطعوا كل شاماتي

أشعار نساء البشتون تطرق أبواب مواضيع حساسة بصدق عن الجسد والحب المحرم صادمة وفاضحة للمجتمع الذكوري، مستفزة للرجال في فحولتهم، هذه الأشعار التي تدعو فيها البشتونية الرجل للحب باستفزازه في كرامته وشرفه.

تعال قبلني دون تفكير في المجازفة،

إذا قتلوك ليس هذا مهمّا 

يستشهد الرجال الحقيقيون دوما في سبيل الجميلة.

هذه الأشعار الشفاهية جمع بعضها سعيد بهو الدين مجروح في هذا الكتاب القيم وحفظها من الضياع،وهو الكاتب الحاصل على درجة دكتوراة في الفلسفة من جامعة “مونبلليه”،الذي نفي الى بيشاور في باكستان، وكتب ملحمة صغيرة تجمع الأعمال الشعرية الأفغانية الرئيسة في القرن العشرين. في الحادي عشر من فبراير 1988 قبل يوم واحد من بلوغه الستين فتح سعيد بهو الدين مجروح الباب لمجهولين وتلقى الرصاص في صدره وعن اغتياله قال صديقه “أندريه فالتر” الذي قام بترجمة اللانداي الى الفرنسية : ” انه مات لأنه تكلم بحرية “

عن الترجمة الفرنسية قدم المترجم جميل صلاح هذه الترجمة التي تقوم اساسا على كتاب بهو الدين مجروح ثم أضاف اليها فصلا كاملا يضم قصائد مختلفة من اللانداي النسائي والرجالي .

اللانداي كما يقول المؤلف هو ما معناه حرفيا ” الموجز ” وهو قصيدة قصيرة جدا،بيتان من الشعر الحر، يتكون الأول من تسعة مقاطع والثاني من ثلاثة عشر مقطعا دون قافية إلزامية ويتمتع بتفعيلة داخلية قوية مع اختلاف الأنغام وفق المناطق.

بواسطة هذين البيتين تمكنت نساء البشتون ورجالهم أيضا من التعبير عن مشاعرهم وإنْ امتاز شعر المرأة البشتونية بالعمق والبساطة  فإن المؤلف يصف هذا الشعر بأنه هش وجميل مثل الزهور البرية في السهول والجبال، ذلك أنه يولد دون بذر منتظم، دون حماية أو اعداد، من نظرة محددة خارج الحقل الثقافي المقتصر على الرجال فقط. من هذه النصوص ينبثق وجه مدهش تشدو فيه النساء ويتحدثن عن أنفسهن،عن الرجال والعالم حولهن بقلب قاس ومتمرد.

يشرح المؤلف صلة المرأة البشتونية بالموت والمنفى،وعدم اهتمامها بروح مستقلة ومنفصلة عن الجسد….هي فقط تغني مصير الجسد وتميز عنصر القلب من واقع هذا الجسد مركزا للعواطف والآمال العابرة،واليأس العميق…وكلما فكرت بجسدها وقوة حبها،أدركت تعاقب الأيام وسمات الوجود الزائل:

أسرع يا حبيبي،

أريد أن أهبك شفتي !

يجول الموت في القرية ويمكن أن يأخذك .

 

أيها اللحد الخراب،

أيها القرميد المشتت،

لم يعد حبيبي سوى رماد 

وريح السهل تذروه بعيدا عني

 

خفية أكتوي،خفية أبكي 

أنا امرأة البشتون التي لا تقدر الإفصاح عن حبها

 

 

ضمني برغبة تحت ضوء القمر الوضاء

في تقاليدنا نهب شفاهنا في النور الساطع.

 

أيها الربيع ! شجر الرمان مزهر

من حديقتي،سأحتفظ لحبيبي البعيد،برمان صدري

 

تعلم كيف تلتهم شفتي 

أولا ضع شفتيك،ثم اضغط على خط أسناني برفق

 

مُرّ بيدك في تجاويف أردافي برفق

رمان قندهار أزهر، وننضج قبل حين.

 

إذا لم تعرف كيف تحب 

لماذا أيقظت قلبي النائم

 

على وجهي تسيل الدموع 

ليس بوسعي نسيان جبال كابول ذات القمم المكسوة بالثلج

 

يا إله المنفيين العظيم !

كم ستدوم الحياة في السهول القاحلة ؟

 

حبيبي هندوسي وأنا مسلمة

من أجل الحب أكنس ممرات المعبد الممنوع

 

أمسيت أكثر المجنونات جنونا

حين أمر بضريح ولي،أرميه بالحجاة،

 

أيها العود الذي أود أن أراه مقطعا

أنا التي يحبها، وأنت من تتأوه بين يديه.