قراءة في كتاب

قراءة في رواية (شبح أنيل)

هالة عثمان

 

رغم الإحتفاء العالمي برواية  “المريض الإنكليزي” الفائزة بجائزة البوكر ، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي إلا أن رواية ” شبح أنيل ”  للشاعر والروائي  مايكل أونداتجي الذي ولد في سريلانكا ويعيش حاليا في تورنتو بعد انتقاله إلى كندا عام  1962…..روايته ” شبح أنيل ”  تعتبر من أقوى رواياته الثلاث لانفتاحها على خلفية المشهد السرلانكي المحرض على نحو عميق ، وعلى الحضارة القديمة .

زمن الرواية أواخر القرن العشرين …والمكان هو سريلانكا _ الأرض والأمة _ التي حققت في قرون انجاز ثقافي عظيم ، وخربتها الحرب الأهلية التي نشبت في منتصف الثمانينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي، الحرب التي سببتها ثلاث جماعات، الحكومة، المتمردون على الحكومة في جنوب البلاد ، ورجال العصابات الإنفصاليون في الشمال .

” شبح أنيل” رواية تجري أحداثها أثناء ذلك الزمن السياسي ، وتلك اللحظات التاريخية، وينوه المؤلف في مقدمة روايته بأنه وإن تشابهت الأحداث والوقائع في الرواية مع الواقع، إلا أن الشخصيات والوقائع في الرواية هي من إبداع المخيلة .

جئت إلى بوجالا بحثا عن عمل 

نزلت في المناجم إلى عمق اثنتين وسبعين قامة 

غير مرئي كذبابة ، ولا أبين من فتحة المنجم 

مباركة السقالة عميقا في مهوى المنجم 

مباركة عجلة الحياة على رأس المنجم 

مباركة السلسلة المربوطة بعجلة الحياة 

بهذه القصيدة التي عنونها اونداتجي  بأغنية شعبية لعامل منجم _ سريلانكا، يدخل أونداتجي القاري في عالم الرواية .

في الرواية ثلاث شخصيات رئيسية ، أنيل تيسارا طبيبة شرعية سريلانكية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ، وتعمل مع منظمة حقوق الإنسان العالمية تحقق في الهياكل العظمية وتعيد إليها هوياتها المجهولة ،يساعدها سارات  عالم الأثار، وشقيقه الطبيب الجراح  كاميني  المتفاني في مساعدة المرضى والمصابين جراء الأحداث المأساوية في بلاده الرواية صرخة في وجه أي حرب ، وكما يقول الطبيب كاميني يائسا “إن سبب الحرب، هو الحرب” وان القانون يكون أحيانا إلى جانب القوة لا إلى جانب الحقيقة كما يقول آخر .أثناء عمل الطبيبة الشرعية أنيل عالمة الإناسة مع مسؤولين محليين لإكتشاف مصدر حملات الجريمة المنظمة ، تكتشف جثث، هياكل عظمية ، من بينها هيكل عظمي وجد مدفونا في مقبرة تاريخية تحرسها قوات الأمن الحكومي …يطلق فريق العمل اسم سيلور “بخار”  على هذا الهيكل العظمي ويصبح رمزا لآلاف الهياكل العظمية المجهولة الهوية، وكأن الكشف عن هويته كشف عن هويات من قتلوا وأخفيت جثثهم في مقابر جماعية أو فردية لاخفاء آثار التعذيب والممارسات العنيفة اللاانسانية ضدهم . تحرك الرواية أسرار قصة عن الحب ، وعن الهوية ، وكشف الماضي، مرورا بشواهد تاريخية حضارية لسريلانكا يحكيها باليبانا أحد شخوص الرواية :

هل تعرفان تقليد نيترا مانجالا؟

نيترا تعني العين ، إنه طقس الأعين، ويحتاجون إلى فنان خاص كي يرسم عينين على تمثال مقدس، إنه دائما الشيء الأخير الذي يفعل وما يمنح للصورة حياة كصمام، العينان صمام وهما تجعلان تمثالا أو لوحة شيئا مقدسا .

هناك طقس لتحضير الصانع اثناء الليل قبل أن يقوم بالرسم، يحضرونه كي يرسم العينين على هيئة بوذا فحسب. يجب أن ترسم العينان في الصباح، في الساعة الخامسة، الساعة التي حصل فيها بوذا على الإشراق، بالتالي تبدأ الطقوس في الليلة السابقة بقراءات وتزيينات في المعابد .دون عينين ليس هناك عمى فحسب، بل ليس هناك شيء أو وجود . يحيي الصانع البصر والحقيقة والحضور .

يتسلق سلما أمام التمثال ، يصعد معه رجل آخر حدث هذا طوال قرون، يغمس الرسام الفرشة في الدهان، ويدير رأسه إلى التمثال ويرفع الرجل الذي يواجه  المرآة إلى أعلى فيرسم دون أن ينظر  إلى الوجه بشكل مباشر …لا تستطيع عين بشرية أن تواجه عيني بوذا أثناء الخلق ، حوله تستمر الأناشيد :

لتمتلك  ثمار الأفعال
ليكن هناك وفرة على الأرض
وكثير من الأيام 
 تعيش العينان.