كتابات

أعباء الحقيقة الشّعرية: استراتيجية الأثر في النص الشعري العراقي

أحمد ضياء / العراق

“الموتُ، اليومْ، هوشعرَنا الوحيدْ” أدونيس.

إنَّ الموجة الجديدة لشعراء المغايرة العراقيين أتاحت لعباً كوسموبوليتياً / كونياً في تدشين طرائق كتابتها واداءاتها النصيّة عبر خطاطة مفاهيمية واضحة عمدت إلى التخلص من تراكمات (الذاكرة الشعبية) وعمدت حول هذا الأمر بأكثر الطرق تواصلية ألا وهوالواقع، فالغذاء الكتابي بدأ يعتاش على فيتامين الواقع، بعده حداثاً داخل العلاقة الإنسانية، فالصانع/الشاعر بات أكثر وجعاً بحيث يبدأ من ذاته للانطلاق نحوالأفق الذي يرسمه لأنَّ ملامح الاصفرار التي ارتسمت عليه أصبحت نصاً يضاف إلى مكوناته، وليس هنا التقنية المتوقعة عند لحظة أومشورة ثقافية بل ينطرح ذلك تحت نسيج متواتر من شأنه دحض السابق والاكتفاء بالآتي المتعلق بالتذويت.

تتجلى التقوقعات أوالبياضات التي ترشح من نص الموت بالكثير من العلائقيات الواردة في هذا الأثر المتمرد لأنّه منفتح إجناسياً على العلامات الواردة داخل المتن الهوياتي الراكز والمثبت لدساتير تعزز من وجودية المشهد العائم والمتكدس بالجثث والقتل والخراب والدّم والخطف، ولعل هذه الثيمات أسهمت في خلق دعائم جديدة رغم حضور آثارها في النصوص السابقة إلّا أنَّ المزية الأكثر تفرداً هي عبر رسم الحروف بقالب الدّم لأنَّ ذلك يعبر عن ملكات كونية أثثت لمعطيات جديدة.

الراشح الأكثر تمظهراً الآن داخل هذه العنوان الشعرية النابضة بالإنسانية والداعية إلى احتواء الفرد بعده الأثر الأول للدفاع عنه ضد هجمات همجية شرسة أُذيبت داخل التيار الحقيقي للكائن، وهنا لابد من تأكيد عنصرية الفحص التي بدأ يتصورها المشهد العراقي الشعري عبر نصوصه الاشهارية، كونها نابعة من اليومي والمعيش، وهذا ربّما يشكل حالة أوخصيصة تمايز بها على أقرانه من الشعراء في الدول المجاورة، وكذلك على الأجيال السابقة له لأن الخروج وسط معمعة هذا الكون، هوما يحسب إلى هذا الجيل، وهذا من شأنه أن يضع الغربال الشعري داخل تداعيات كثيفة داخل المشهد الحياتي ويعطي للآخر قراءة ممنهجة ذات زوايا حادة ناشئة تصوغ الواقع بتنافذ سلطوي كتابي قائم.

إنَّ كَمْيَئة الشّعر العراقي بهذا الأمر جسدة كينونته الوجود داخل تضاريس (الهنا) المتأتية من بعض النماذج اليومية بعدها يعدّ شكلاً مباشراً تحتشد في داخله منظومة تتواشج ضمن ضرب فكري يتعلّق داخل ظروف المناخ الشعري الرابط بوتيرة الشذرة أوالديالوج النص. يشخص الشاعر(ة) حالات كثيرة في الباب الإبداعي القائم على تقويض الواقع وإحالة إلى أكثر من فعل زمكاني صالح إلى تظهير كافة المسوخات المحدقة بالقيم والتعاليم ذات الأثر الرجعي، بالتالي يمر النص داخل موشور إنتاجي / فكري / مفاهيمي واضح يتداعى داخل الحدث الشعبي الاعترافي المتيح بعداً تواصلياً مع الدقائق البسيطة والكبيرة داخل المنظومة الإجتماعية، ولعل الشاعر(ة) لا يتم تحديده بشكله لكن بأفعاله الكتابية التي تعبر عن منظوماته وخلجاته المتكوننة.

يعد المطعم الوجودي / الشعري زاخراً بالإختلاف وفحص ماهية الحياة والاختيار عبر مفاهيم وتداعيات مختلفة حسب الضرورة الحتمية المباحة، إذ يشعُّ في فضاء يتمحور حول أحقية العيش للآخر والسبل المرجوة ليكون أمناً في وطنه ولحظة ممارسة حياته الطبيعية. لعل المحدق في شعاليل هذا الفنار الشعري المترقب له يتباين التحركات الأساسية الحاصلة والمتناهية، والتي استطاعت أن تقبض على النّار، تأخذ النصوص (الشبابية العراقية) وليس من باب التصغير بل من التعظيم لهم لأنهم استطاعوا أن يهيمنوا على المشهد رغم صغر سنهم، ورغم تقاربات الثيمة في الطرح والحاوية على فعل (النصنصة) في جل الطروحات بسبب ما ينشر عبر الفيس بوك أولاً وما يتداول من واقع مرير مشترك ثانياً.

تتكاثف المفاهيم في أدلجة النص الواحد، بحيث تأخذ محراثها من الواقع راسمة في طياتها صورتها الإتصالية ضمن أهم المبررات الإنتاجية، وهي تحيل الهوية إلى أكثر من اشتغال، وهذا يعني أنَّ كثيراً من الأفكار ستأخذ مكانها القويم في النص أو/ وتنتج مفاجأتها حتى ترشح المواضيع غير المضطربة والتي تسدد أهداف شعرنتها أمام الهدف وبقوة. ارتبط المشهد الشعري الآن ضمن خاصرة الحرب، ولأنَّ الجميع ولِدَ على شفا لهيب القضية وتداعيات الأزمة لذا تتلاصق النصوص وتأخذ ضمن حزمة تضاريسية واحدة ولعل هذا يشكل تياراً في أوج مراحله الاستباقية. لا تعتمد النصوص المنثورة على قوانين معينة لكون أنَّ لكل فرد صنعته الخاصة، بحيث تمكنه من اشهار نصه بلا أي تردد أومحددات تقتضي التوقف، لذا فهومنفلت من العباءة الصورية التراكمية ليجنح بالصميم ويأخذ الصدارة في تصدير ما هومبتكر.

لعل التغوُّل في نصوص هذا الجيل يرسم خطاً بياناً واضحاً، إذ استطاع بمفهوم الأصالة أن يحقق هدفاً سامياً إزاء الموجات الشعرية الأخرى لما يمتلكه من وعي بالهوية وتجسيد الحالة، ولعل هذا الأمر جاء نتيجة الإنفتاح على العالم وعبر مفهوم العولمة الثقافية، ذات الأثر المتبدي والمتفشي في ثقافة اليوم التي من المفترض أن تكون (مابعد الكولونيالية) وهذا الوعي بالتعددية هتك الأسرار النصية وجعلها داخل المشغل الواقعي بخطابات ورؤى جمالية واضحة تسلحت بالخصوصية والتفردن الناعم والخشن، وهذا الشيء أسهم في زج المشهد بالحقائق وعمل على تعميم كافة الأزمات التي يمر بها البلد، فاللسان الأكثر تسلطاً هوالنص، لأنَّ بروزه أفهم العالم بالعوامل الداخلية عبر شاشة التواصل، وهذه هي الشراسة الأساسية التي أنتجتها العولمة أمام أفعال الهيمنة المجاورة، وإنَّ السؤال عن البدن المستقبل للشظايا وسط مكونات الكينونة وحرية التعبير والتلقي باتت ذات موقف جيد تتسع لكافة المطالعات الأخرى رافضة بذلك التقوقعات والكريزمات الفضفافضة (البالونية) غير المنتجة.

ضمن ربتوار خاص لهذه التمثلات الشّعرية أسس الخطاب العراقي هويته الإحلالية الخاصة، من خلال الأزمات التواصلية التي تنحت في خاصرته رغم الطوفان الهائل الناتج عن هذا الأمر، حيث تتجلى المفاتيح الأساسية التي حبلت بها الشعرية العراقية، عبر امتصاص كافة التداعيات، ويتجلى الإرهاص الحقيقي الدائب على التواصل في ترشيق كافة المفاهيم وإحالتها إلى نتف تكنس المشهد الشهري بأدوات ما بعد حداثوية ولعل هذا الأمر مكّنها من حيازة هذا الشكل المغاير، وهذه هي الأحقية التي يتناولها هذا التيار الواعي / الشمولي. البناء الاستاتيكي المبرمج داخل بوابة النص الواحد رغم تشظياته الطويلة التي بدأ يمنحها البعد البوني للضياع، تأخذ محمولاته الفكرية والإنسانية داخل خدج المعاناة وبزوايا اختلافية مؤلفة بين هذه التناقضات الواقعية، وهي طَبَقةٌ جديدة تحسُّ بكافة الأفعال المرتقبة بعده حلماً داخل الإطار الواقعي المحتقن بالدم والألم والمعاناة، وهذا التوق إلى التخلص منه يعادل التشكل الديالكتيكي / الجدلي الباحث عن الحقيقة، وسط أمواج من القلق والأزمة خارجة على كافة المقايس الأيديولوجيم الخاصة والعامة، بالتالي بات أغلب هذا الجيل خارج عبارة التفاوض والانصياع إلى أي جهة سياسية وظلوا يخطون مسيرتهم من خلال الشعر حصراً.

تمثل الأعباء الشعرية الواقع من خلال مخالب مختلفة تفضح عن أفق تواصلي / استراتيجي يعنى بالاختلاف كقضية وليس كحالة، وهذا يعني أن الكثير من المفاهيم يرصدها المشهد والمجهر النقدي ومن ثم يرصيع الواقع بأحقيات ورؤى تحليلية عبر دوائر وميكانيزمات مطلية بالمبادئ الكونية.

هؤلاء الشعراء هم شلّة واقعية للأفكار الاعتيادية للحياة، وبذلك ينتجون معنى آخر في فلسفة الشعر رغم حداثة التجربة لأغلب الكتاب، لكنهم يسهمون في صياغة المشهد التواصلي العام مع كافة القيم والتجارب العالمية، وتشكيل كتلة واحدة بواصر مختلفة، ولعل ايونات هذه المظاهر الانفعالية تذهب صوب تقشير القشرة الفكرية لتفصح عن الأثر الأساسي للنص، إذ بها (أي النصوص) تكون باردة رغم الموت الذي يتقافز من الحواسيب والأدمغة التي يحملها الشعراء، لدى كل شاعر(ة) منشار خاص يحاول أن يفعله لدى وجود اضطراب داخل البنية الجسدية الخاصة به.

يحاول الشعراء أن يشطحوا خارج بوابات المنظومة الشعرية السابقة حتى يلفتوا الأنظار واستطاعوا بذلك أن يقبضوا على الكثير من المشاهد الفعلية وهذا المبدأ مكنهم من صياغة المشهد الشعري حسب الواقع المعاش والمكون من شتات فكري وتضارب في المنظومات الكتابية والأخلاقية العامة وهذا بالتأكيد شكل هوية خاصة تضاف إلى النماذج الأخرى.

أإزاء حفنة من التموضوعات التي تتيحها النصوص، تتأزر الجُّمل والمفاتيح الإخصابية بحسب الأثر المتاح، حيث الاستراتيجية في باكرة كل نص تهيكل أكثر الأراء تواصلية متيحة منتجاً خالٍ من أي تكلف في صياغة الشطر الشعري، وهذا يؤكد أحقية الشاعر في تناول الكثير من الأفعال اليومية بعدها المكان الشمولي الحاصل على سلسلة مكونات ورؤى خارج أي نظام آخر.

وربَّ تساؤل رئيس هل بإمكان النصوص أن تكون مطرقة؟.