كتابات

محمد غبريس في مجموعته ( أحدق في عتمتها) معايير الاحتفاء بالجسد الأنثوي

خضير الزيدي


 

على نحو ليس ببعيد عن جوانب الاحتفاء بالجسد الأنثوي ،يستعير محمد غبريس رؤيته الشعرية لتطبيقها في منظومة حسية تحتفظ بمساحة معينة من إعطاء النزعة الإنسانية المحتفية بالعلاقة الحميمية جوانب مضيئة من جوهره، ومن يعيد قراءة نصوصه يكتشف بان ضرورة العاطفة والتمسك بها كقوة فاعلة لا زالت تتجلى في  الغالب من نصوصه الشعرية  ومرد هذا التمسك يمكن أن نشير إليه على أسس الطرح الاستثنائي لمركب نسيج العاطفة والذاكرة معا وهي روابط صارمة حينما يعيدها الشاعر في صور إيحائية ايروسية أو حراك عاطفي بريء هذه الثنائية تؤسس لقدرة يتيقن شاعرنا غبريس بأنها لم تكن لعبة  مكونة من حلقات صورية أو تراكيب لغوية على نمط من البلاغية إنما هي طرح نفسي حاد يضاعف من هيمنة الشعر وحساسيته الغنائية مع تحول في مستويات الصورة ومدلولها التعبيري، لهذا من يقرأ مجموعته (أحدق في عتمتها) يكتشف ما تكرس من إيقاع عاطفي يرافق اغلب قصائد المجموعة، وأجد أن الالتزام في تسامي النفس عبر تحريك الحب ووجدانه فرض نوعا من الاشتغال إلى درجة يمتزج فيها العشق الصوفي مع الحلم الايروسي وهي خيارات قامت ضمن معيارية لتحول البناء الشعري من نسق  ثابت يتغنى بالجسد إلى تحول صوري لا يرتبط باللذة المجردة واحسب أن الأنا الشعرية صيغت هي الأخرى بدلالة الإضاءة الوجدانية داخل منظومة النصوص لتجعل القارئ لنصوصه يعي أن مستويات الذات ليس تمجيد الجسد الأنثوي بنحو غريزي أنما بمتحقق دلالي وهذا الانكشاف يتبنى ظاهريا من خلال متن  شعرية المجموعة

هنا في الطريق إليك

أمر بإحداقك الهائجات

لعلي أطيل التعري

أمامك

مشتعلا بانتمائي للهفة عينيك

أعود وحيدا إلى أرجوان السرير

أموت اشتياقا

وأحيى حليف التشرد بين يديك

هنا في الطريق إليك

ينطوي هذا المقطع على مستويات معينة تنهض الأولى منها في تعرية النفس اشتياقا بنمط حسي أنبنى على أسس التعرية وما يمليه هذا التصور سيميائيا من إشارة تضاعف مدلولها في صناعة لأدراك (وحدات التعري ومسبباته ) بينما يمضي سياق الانتظار بنزعة لا تتلاءم مع التعرية، الصياغة البنائية لمتن هكذا نص قابل للتأويل يشرع للمتلقي بقلب الصورة من حسية تختلط فيها استدعاء الايروس إلى حلمية بتشكل صوري ينتزع لسرد الحكاية وقلبها وفقا لما تبديه مضامين النص، هذا الخروج الدلالي في مشهد النص الشعري لم يكن بطيئا في تلمسه الأسلوبي إن صح لنا التعبير هنا إنما الاشتغال مثّل استغراقا زمنيا وهو نتاج الانتظار (هنا في الطريق إليك) بينما فكرة الغياب المقابل لا تعطي حضورها الشعري وإن كان باختلاف زمني.

ما أود قوله هنا أن الشاعر يتعقب حساسيته في بناء مشهد معين بمعزل عن تمثيل النفس وشهوانيتها:

 جمعتنا الحروب ھناك

على فرح یشبه الحلمَ

هذا التذكير البنائي للصورة نموذج لانتهاك الرصد العاطفي وهو خيار لا بد من التأكيد عليه حينما تضفي ذكريات الحرب انسجاما حيث المغزى الدلالي لفضاء النص الشعري ومن يراقب كيف تبدو فاعلية الطابع ألاحتفائي لهذا الشعر يجد أنها مكملة لمستوى سردي أيضا انه بحق الترقب المفتعل والمركب من طابعين لا أكثر.. طابع ينمي فعل الجمل الحسية بأحداث تبدو مفارقة وغريبة وهي تعد لمنظومة (الحنين )القابعة في نفسية محمد غبريس وطابع بمفارقة تحسم لنا لعبته الشعرية وفيضها الدلالي وما هذا المقطع الشعري إلا دليلا على إعطاء قواعد ( الحسيات ) مكانة بارزة في صياغة اللعبة ومكاشفاتها الصورية شعريا

نتعانق في السرّ

نرغب في الجنسِ

لكن صوتا بعیداً یؤجله

مثل هكذا إيقاع نفسي حاد يشير لإنتاج فعل التلاؤم العاطفي الحاد وليس غريبا أن نجد هذه البنيات (الشبقية ) قائمة في النص فهي ثوابت اعتمدها غبريس على نحو تقديسي فهو يصر أن تكون محركات العاطفة (بنيات جوانية) تخص نفسه وخلجاته وهي في حقيقة الأمر قناعة وليست استعارة لتبدو مصداقية الفعل والقول حقائق قائمة لا بد من احترامها لأنها ابتعدت عن الغموض وساعدت اللغة الشعرية في إيضاحها للقارئ أيضا الأمر الآخر الواضح سياقات الإيقاع الشعري وتداخله  يكمن في التسارع بما يفرض على من يقرأ النص الاستجابة له وكأن المناخ الشعري محكوم بكثافة موسيقية تضرب في ذهنية القارئ لتقبل النص وبالتأكيد هذا عائد لأن محمد غبريس يعي موازين الشعر ويكتب القصيدة العمودية ويعرف كيف يمسك بتفرد العلامة مع الإيقاع الشعري  ،لكن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا كيف بدت علامات الجسد منسجمة وهي تلهبنا الحماس في النظر إلى انساق الصور حسيا ؟ بالتأكيد عائد ذلك الانسجام لمضاعفة الاشتغال بعيدا عن التحول الغرائبي للشعر كما أن التشبث بنمط من الكتابة وبفضاء معين هو ما يضفي جمالا على المقطع الشعري ولكنه جمال مرهون بالاستماع لخلجات النفس والقبول بحكايتها وإعادة سردها ومن أجل أن تبقى ثوابت النص وعناصر تغليب المجاز فيه متنوعة،إذن  علينا أن نمضي حيث آليات الخطاب الشعري عند محمد غبريس والذي يجمع فيه بين الاهتمام بالتراث الشعري في النص العمودي والاستجابة للتجديد في النص الشعري من الجهة الأخرى وقد كان موفقا حينما عرف الأرض الشعرية التي يقف عليها رافعا استعارته ومتسيدا لقواعد ممكناته الحسية في لغة تنتج مقومات ديمومتها.