فهمي الصالح
مَا يَفتَحُ البَابَ عَلَىَ عُزلَتِي
فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَرَاكِ فِيهَا
تَشخَصِيِنَ بِأَحْلاَمِي وَعَظَمَتِي
هُنَا فِي وَحْدَتِي وَبَهَاءِ شَمْعِي وَقَصَائِدِي
لَيسَتْ هِيَ الرِّيِحُ
الَّتِي تَشْتَدُّ حَوْلِي كَحِصَارٍ
إنَّمَا أَنتِ بِهَيِئَةِ مَلاَكٍ
لَكِ غَضَاضَةُ مَاءِ
أَسْتَشْعِرُهُ وَلا أَرَاه.!
*****
لا أُرِيِدُ أَحَدَاً مِنَ المُزْعِجِيِنَ
إِلى جِوَارِي
لا جِيِرَانَ لِي فِي هِذِهِ الحِقْبَةِ
مَنَ العَرَاءِ
فَهَذَا أَحسَنُ لِقَلبِيَ
مِنَ الخَضَّاتِ وَالمِدَقَّاتِ
وَمِنْ تِلْكَ الرَّضُوُضِ الَّتِي اِرْتَسَمَتْ
فِي ذَاكِرَتِي
وَهَذا أَفلَحُ لِي أَيضَاً
مِنْ هَوَسِ الفُضُوْلِيينَ وَالحُسَّادِ وَالثَّرْثَارِيِنَ
الَّذِينَ اِنتَبَذَهُمْ حَتَّىَ الحَجَرُ.!
لا رُعَاعَ يَتَجَوَلُوْنَ هُنَا فِي البَرَارِي القَصِيَّةِ
وَلا دَرْبَكَاتِ شَاحِنَاتٍ وَصِرَاعَاتِ ثِيِرَانٍ وَلا أَبْوَاقْ
الفَضَاءُ المُمْتَدُّ إِلى بَعِيدِ النِّهايَاتِ القَرِيِبَةِ
يَظَلُّ هو الأَجْمَلَ مِن غَيرِ نِهَايَةٍ مُتَوَقِعَةٍ
فِي اِستِحْدَاثِ قَلَقٍ
أَوْ المُضِيِ في تَدْوِيِنِ نَصّ
لأَنَّ لا أَحَدَ يَهتَمُّ بِهذا المَدَىَ المَنْسِيِّ
مِنَ المَعَانِي
كِيَانِي يَشعُرُ بِالرَّاحَةِ الأبَدِيَّةِ
تَحْتَ سَماءٍ مُتَمَاسِكَةٍ لا خُدُوشَ فِيِهَا
وَلا أكَاذِيِبَ وَلا حَتَّىَ فُقَاعَاتْ.!
ثَمَّةَ شُجَيِرَاتٌ وَراحَةٌ دَافِقَةٌ وَعُزلَةٌ
كَأَنِّها حُلُمٌ جَدِيدٌ
وَاللهُ الَّذِي يَتَواجَدُ بِكَثافَةٍ دُوُنَ وُسَطَاءِ
فِي الهَواءِ الحُرِّ
تَتَحَسَّسُهُ هُنَا المَدَارَاتُ كُلُّهَا
وَالخَيَالاتُ وَفَزَّاعَاتُ الحُقُوُلْ.!
فَلا يٌوجَدُ ضَجِيجٌ وَلا اِطْلاَقَاتُ نارٍ
وَلا عِصَاباتٌ وَلا لُصُوصْ
حَتَّىَ الطَّائِرَاتُ لا تَمُرُّ مِنْ فَوْقِ رَأسي هُنا
فِي الأَوْقَاتْ
لِهَذَا أَنا مُتَوحِّدٌ مَعَ الفِطْرَةِ
وَسَلاَمِ الطَّبِيِعَةِ وَالنِّسْيَانْ
وَأَنَّ المَاءَ الذِي يَجرِي
إِلى ظَمِأِي وَوَجْهِي وَاِغْتِرَابِي
لَنْ تَشُحَّ بِهِ الجَدَاوِلُ الكَثِيِرَةُ
وَلا تِلْكَ الغُدْرَانُ النَّبِيِلَةُ الَّتِي تٌطَوِقُنِي
بِرَائِحَةِ حَياةٍ مُوسِيقِيَّةٍ كَطُفُوُلَةٍ مَلْسَاءَ
مِنْ كُلِّ اِتِّجَاهَاتِ أَنوَارِي وَعَتمَتِي وَاِنفِعَالاَتِي
وَمنْ كُلِّ مَسَاراتِ الخَسَارَةِ وَالاِنتِصَاراتِ
فِي أَرْجَائِي.!
فَأَنَا وَبِرَغْمِ خَوَانِقِي السَّالِفَةِ
فِي حَيَاةِ أَسْلاَكٍ قَمِيئَةٍ
سَأَبْدُوَ هُنَا بَسِيِطَا وُمُتْرَعَا
بِهَشَاشَةِ مَهْزُومٍ مَحْظُوُظٍ
حِيِنَ يَلُوُذُ بِجَنَّةٍ خَرْسَاءَ
تُشْبِهُ مَقْبَرَةً جَمِيِلَةً لِلْأَرَامِلْ
صَحِيِحٌ أَنَّنِي هُنَا بِكَامِلِ مِحْنَتِي
أَحلُمُ بِفَرَادَتِي وَحِيِدَاً
مِنَ الأَضْوَاءِ إِلى الغُيُوُمِ ، فَالنِّسْيَانِ
ثُمَّ العَمَىَ.!
صَحِيِحٌ بِأَنَّنِي مَنسِيُّ في لَحْظَتِي
دُوُنَ فِعْلٍ يُذْكَرْ سِوَىَ أَنَّ أَسْنَانِيَ
بَدَأَتْ تَتَخَلَّعُ فُجْأَةً وَتَتَسَاقَطُ تِبَاعَاً
وأنَّ قًلْبِيَ صَارَ خَفَقَانُهُ مُسْتَجِيِراً
بِقِطَارَاتٍ لا تَهْدَأْ
لَكِنَّنِي مَعَ كُلِّ ذَلِكَ الخَرَابِ
فَأنَا أَتَجَدَّدُ يَوْمِيَّا بِوَجْهِكِ
حِيِنَ يَأْتِيِنِي بِهَيِئَةِ مَلاَكٍ لا يُدَانِيِهِ مَلاَكْ .!
فَهَذَا شِمْعِدَانُنَا يَتَشَهَّدُ عَلَىَ يَدَيِكِ بِإِيِقَادِهِمَا لِلشُّمُوُعِ.!
وَتِلْكَ فَاكِهَتُنَا تَرْقُبُ أَظَافِرَكِ تَحضُنَهَا عِنْدَ المَسَاءِ.!
وَتِلْكَ قَصَائِدُنَا مَخْتُوُمٌ عَلَيِهَا قُبُلاَتُكِ بَعْدَ القِرَاءَاتِ.!
وَتِلْكَ مُوسِيِقَانَا لا زَالَتْ تَعْزِفُ رَائِحَتَنَا فِي الحَوَاسّ.!
وَتِلْكَ الكُؤُوسُ تَعِيِشُ لَهْفَةَ تَصَادُمِها بَيِنَنَا.!
وَتِلْكَ فَوْضَانَا مُتَنَاثِرَةً قُرْبَ الأَرَائِكِ الحَالِمَة.!
فَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي.!
أَقُوُلُهَا لِوَجْهِكِ المُتَجَوِّلِ مَعِي
بِصِيَغٍ شَتَّىَ
أَقُوُلُهَا لِوَجْهِكِ
الَّذِي يَمُسَّنِي بِالمَلاَمِحِ كُلِّهَا
كَأُغْنِيِةٍ يَحْفَظُهَا رُعَاةٌ يَحْدُوُنَ بِهَا
فِي البَرَارِي
أَنْتِ كُلِّ هَذَا التَّمَاهِي
الَّذِي يَسِيِحُ مِنْ رَذَاذِي إِلَيِكٍ
لِيَصِلَ بِغَيبَتِي فِي حُضُورِكِ مَعِي
وَأَنْتِ تُمْسِكِيِنَ بِي كَلِحَاءْ
وتَتَسَرَّبِينَ لِوَحْدِكِ فِي وَحْدَتِي بِهَيئَةِ مَلاَكْ.!
…………………………………….. / شاعر عراقي
You Might Also Like
هل بات السرد عبئًا ثقيلًا على قصيدة النثر؟
صدام الزيدي على منصّة (زووم) التفاعلية، نظمت مجلة “نصوص من خارج اللغة” فعالية شعرية ونقدية، يوميْ 16- 17 يوليو/ تموز...
في الغروب تموت غابة
صدر حديثاً للشاعر والصحفي والناشر اليمني حسن محمد محمد “في الغروب تموت غابة” ضمن اصدارات مجلة نصوص من خارج اللغة ...
ليست العينان
سهير السمان- اليمن على طاولة مربعة الشكل، ربما أخذت شكل الاتجاهات الأربع التي تحيط بالأشياء.. كأس ماء وكوب قهوة يوهم...
ذاكرة: قصة
انتصار السري- قاصة يمنية بعد أن قدم عقلي استقالته، وخروجه عن عمله، صرت أعاني وأكابد كل يوم مشقة البحث عن ذاكرة...