هالة عثمان
في تقديمه للكتاب يطرح د. فيصل دراج اسئلة مهمة عن القراءة وما الذي ننشده منها، وما الذي ننتهي اليه ونحن ننتقل من كتاب الى كتاب ؟ الجواب المنتظر هو المعرفة ، التي تحولها العقول المتثالية الى صنم ، أما الجواب غير المنتظر فهو القائل : لا خير في المعرفة ان لم تصنع عقلا يميز المعرفة من عوالم المعرفة ، .لأن المعرفة المزهرة تبدأ بالجمع وتطرق أبواب جمع آخر ذلك أن الفكر المبدع لا ينبثق من ذاته ، في عملية صوفية أقرب الى الفيض ،لأنه أثر لحوار مع أفكار ابداعية سبقته ، ومدخل الى صدفة تأخذ بيد فكر لا يعرف الطمأنينة الى جملة اسئلة غير مسبوقة ، وما القراءة المبدعة إلا مقارنة نصوص متعددة الأزمنة، تجمع بينها قرابة مخترعة قررتها العقول التي لا تعرف اليقين،هذه القرابة المتخيلة التي تذيب أزمنة مختلفة في زمن متخيل طليق .
ما الذي يميز قاريء عن آخر ؟ يقول د. دراج أن نظريات القراءة تتحدث عن قاريء متعدد الإحتمالات : القاريء المحتمل ، القاريء النموذجي ، القاريء المضمر ، وصولا الى قاريء عقله صفحة بيضاء يخط فوقها الكتاب السطور التي يريد ، ولاشك بأن الفرق بين قاريء يقرر ما يقرأ وآخر يقرر له غيره ما يقرأ هو الذي يسمح بالتمييزبين المتلقي والكتاب من ناحية ، والقاريء والنص من ناحية أخرى . وعندما يقتنع القاريء بأن الكاتب يقول الحق كل الحق يظل القاريء كما كان ، ويظل الكتاب كما هو ، فلا اضافة تغير القاريء ولا اضافة تغير من دلالة الكتاب،ان القراءة الفاعلة كما يراها د. فيصل دراج هي التي تحرر القاريء من عادتي التلقين والاستظهار ليرىالحوار قراءة والقراءة حوارافيتحول الكتاب الى نص ينتمي الى زمن آخر أكثر اتساعا وعمقا .
في كتاب البيرتو مانغويل “في غابة المرآة” ما قد نرفضه مثلما فيه ما قدنتفق معه وندافع عنه يقول د. دراج غير أن الأساسي يتمثل في رهافة القراءة وشمولها المدهش ، الذي يستولد من الكلمة سؤالا ومن الكلمات عوالم ومن العوالم متخيلا يخترق الواقع ويوحد أزمنة مختلفة .
في تقديمه لكتابه يقول مانغويل : نحن أيضا كقراء نضم لحمة الكلمات الى التجربة ، ولحمة التجربة الى الكلمات لنمر في غربال الحكايات المتجاوبة الأصداء أو التي تهيئنا لتجربة ، أو أنها تحكي لنا عن تجارب لن تكون أبد الدهر تجاربنا إلا على الورقة المتأججة ، وما نظن بأنه كتاب يعود بالتالي فيرتسم من جديد مع كل قراءة . إن الثابت غير المتحول هو متعة القراءة والإمساك بكتاب ملء اليدين ، الشعور المباغت بالإنبهار ، بالبرد أو الدفء الناجمين عن بعض الأنساق الكلامية المتعاقبة .في ” غابة المرآة ” نصوص هي عبارة عن مقالات ومحاضرات نشرت في صحف وجلات متنوعة تحت عناوين “يونس والحوت ” ، “في غضون ذلك في قسم آخر من الغابة ” ، ” أبواب الفردوس ” ، ” موت تشي غيفارا” ،” المصور الأعمى ” ،” ” بورخيس عاشقا ” ” قاريء في غابة المرآة ،” في جحر جامع الخرق البالية ” ،” حاسوب القديس أوغسطين ، ” جواسيس الله “، ” ربة الإلهام في المتحف ” وغيرها من النصوص . هذه النصوص التي صدر لمعظمها بعبارات وحوارات من كتاب ” أليس في بلاد العجائب ” الكتاب الذي تأثر به في طفولته وواظب على إعادة قرائته ،واطلق على ابنته البكر اسم البس .
هذه المجموعة من المقالات والدراسات المنتخبة يقوم البيرتو مانغويل من خلالها بطواف شامل داخل غابة القرن العشرين، ليسجل شهادته على زمنه وعلى كلماته التي يتلمس بها حقيقة ذلك الزمن دون أن ينسى استشراف الألفية الثالثة، شهادة على العصر وعلى الكلمات ،كتاب وكاتب وعصر في مقالات ودراسات متنوعة حافلة بمتعة الاكتشاف.
هالة عثمان