ذنْبُكَ أنَّكَ أحْبَبْت

 

إلى عبد العزيز المقالح

شعر: نزار شقرون

 

لمنْ تتْرُكُ وَطَنًا لاَ يفرّقُ بيْنَ النّفسِ والرّمس

وتصيرُ حمَامًا

يسْجعُ 

بالرّوحِ تُغادِرُ الهمْس

منْ فرْطِ ماذا؟

تحطُّ على أرْواحِ الغائبينَ المتْعبينَ

وتُلقي ببقايا حبّاتِ الشّعْرِ

على أضرِحةِ الأمْسِ

قتْلى حُروبِ الطّيْشِ

لاَ أسْماءَ تُنقَشُ عَلى شَواهدِهمْ،

ولاَ أعْشَابَ وجدتْ نفَسًا لتنْبُتَ إلى جوارِهمْ

والأمرُّ الذي ما يَزالُ يمرُّ

لا أَحدَ بعْدهمْ يسْألُ عنْ معْنى العيْش

***

ذنْبُك الوحيدُ

أنّكَ أحْببْت!

وطنًا منْ رقِّ الكلماتْ

وروحُكَ الغريقَةُ بيْن علّةِ رئتيْك

لنْ تجدَ طللاً للوقْت،

ولنْ تبْكيَ حجَرًا لا يبْكيكَ

كلُّ الجدْرانِ التي سقطتْ لمّا شهقْتَ

نثرتْ خرْبشاتِ طفولَتِكَ على الإسفلْت

ومعلّقاتُ قصائِدِكَ

ذَوتْ في صدورِ النِّسَاءِ،

كمَا جفَّت مدنٌ منْ بيُوتِهَا

منْ عويلٍ إلى قصْفْ

ذنْبُكَ أنّكَ ما تَزالُ تحبّْ

عيْناكَ مُعلّقتانِ عَلَى جبلِ النّهْدينِ

أصَابعُكَ الوديعةُ تتلمَّسُ حِلمتيهمَا

بنيَّةِ القضْمِ

وشفَتاكَ أبْعدُ منْ قولٍ في الآذانِ

شفتاكَ اللُّغَةُ المكتُومَة في نوتةٍ غيْرُ قابِلَةٍ للعزْف

***

أرْضُكَ المُثْلَى

وشْوشاتٌ حافيَةٌ منَ زعيقِ الحربْ

بَشرٌ منْ كلِّ طينِ الدّنْيَا

يأْتونَ منَ الجامِعِ والقُدّاسِ والمعابِد والخمّاراتِ،

في قلْبِهمْ صوتُ الربّ

وأنْتَ تسْأَلُ أمّكَ النائمةَ في سكينَة الأرْض،

متَى يحلُّ البِشْرُ

هلْ أرْضُ اللّهِ لأهْلِ الأرْض؟

ومنْ ينْجُو منَ القصائِدِ

إنْ غَرقَ الشّاعرُ في شُعاعُ الشّمس

وكمْ ذكْرى تُسْعفُ وقْتَكَ منْ ضياع الوقت

***

تريدُ الرّحيلَ إِلَى الأرْضِ المُثْلَى

تُولَدُ منَ التّرابِ الأصليّ السّماويِّ

لاَ منْ دمِ الإخوَةِ يقتلُ بعضُهم بعْضًا،

يُلطّخونَ السبئيَّةَ بروثِ أوْهامهمْ

حينَ يتسوّلونَ الحقيقَةَ منْ فقراءِ الحلْمِ

تُريدُ وداعَ إيقاعِ خطْوهم حينَ يمتطونَ السّحابَة بوهمِ الغيْث

وقلْبُكَ يسْألُ ملائكَةَ الحياةِ

الغوث! الغوث!

وأنتَ ترى الجدْبَ هُنا في ممرّاتِ العبورِ إلى صنْعاء

هنَاكَ في ممرّاتِ العرُوج إِلَى ما تشْتهي

ما بينَ الأرْضِ، وتلْكَ الغيْمَة الآسرة

قليلٌ منَ العسلِ في ريقكِ الجافّ

***

في الطيرنامة، لنْ تسألَ منْ تكونْ، لأنّك في أعْلَى الحنينِ إلى ما فاتْ

بعضٌ منَ الجُلاّسِ يقرأون الماضي

بلسانِ الهدْهدِ الأبديِّ

واستكانةُ شاي يُغرغرُ في الحلْقِ منْ أجلِ مقاومةِ السّباتْ

ولكنّك شاردٌ

وميضُك تحتَ النّظارة الطبية غامقٌ،

هادئٌ أكثر ممّا ينبغي،

مقيلُكَ حُطامُ تلكَ الذّكرياتْ

والجسدُ؟ لا تعرفُ لمنْ يكونُ، قدْرَ ما تعرفُ لمنْ يَؤولُ

بعْضُكَ سلامٌ، وبعضُكَ حربٌ

سلامٌ عَلَى ما تبقّى فيك منْ طُفولَةٍ

وحربٌ في نشيجِكَ تطولُ

***

لكَ الآنَ، أنْ تُحلّقَ إلى أقاصي الجبالْ

ذروةُ الحبِّ

نشْوَةُ مستحيلِ القبُلاتْ

ترى ما يتغيَّرُ في لونِ السّماء

أزرقُ الربيعِ مطْفأٌ في عيْنيْك

والطّائرات التي تكرَهُ رُكوبَها منذُ صباكَ

نقَلَت الأَعالي إلى أسْفلِ الشّرفاتْ

ولكنَّ وادي الحياة

ليس غيْرَ خطٍّ لمسير النّملِ في كفّكَ المُشْتهَاة

***

اسمُكَ الآنَ على سُورِ مدِينتكَ،

ما أكثَرَ مَا فيهِ من نقاطْ

جمّعتهُ من حصَاةٍ إلى حَصَاةٍ

وأنتَ تعلَمُ أنَّ العواصمَ كُلّها هشيمُ نقاطْ

فلا ينْقصُها غير الرّياحْ، فأيْنَ الرّياحْ التي تمضي إليْكَ

كيْ تنامَ بين جفْنيْكَ

ملْءَ الأحْلامِ الأزليَّةِ تنْفخُ نارَهَا

كيْ تظلَّ هناكَ عائِمًا في الهواءِ

نقيًّا في دُجى الكلماتْ

***

عمّنْ تبْحثُ إذنْ؟

فهذا البابُ المطلُّ علَى أحزانِ المُشَاة

هوَ بابُكَ

وكلّ منْ دَخلهُ متفرّقًا

 هوَ صوْتُكَ الواقفُ رغْمَ الشَّتاتْ

ولسْتَ هالِكًا مُذْ دَخلتَ منهُ،

ولكَ بعدُ، ظَهرٌ عليْهِ تحْملُهُ،

فالأوْطانُ إذا مرَّ إعْصارٌ تهبُ أبْوابَهَا،

فخذْ ذاكَ القرْبانَ إلى الذّاكرةِ

قبْلَ أنْ ييْأَسَ الخشبُ

***

ما وَجدْتَ زوْرَقًا للنّجَاة

ومَا عثرْتَ علَى إثنينِ منْ كلِّ زوْجيْنِ

ترَى اختلافَ كلّ ائتلافٍ

وائتلافِ المختلفينَ في عُشبة قاتْ

كلُّ منْ في مدى عينيْكَ تاهْ

وحدهُ الجبلُ إليْكَ شاخصٌ

في غيْبَة الكائناتْ

فانْظرْ عميقًا في جوْفِ اليأْس

سترى أبْعدَ منْ مدِّ البَصَرِ

تَرى في الليلِ

زهرةَ اللّوزِ، نشْأةَ الفَراشِ، عِنَاقَ عاشِقيْنِ

وتظلُّ سَاهِرًا منْ أجْلِ بدْءِ اللَّحَظاتْ.