نصوص

كأني ألد القصيدة من خاصرتي

مالك مدخنة
عملتُ مرّة في مطبعة
أردتُ أن أجرّب شَيئاً مُختلفاً
فطبعتُ صورتها على قلبي ..!
من وقتها
لم أعد أتقنُ عملي
صرت أرتب الصُحف
والأوراق بشكل عشوائي
وصرت بارعاً في التدقيق اللغوي
فلم أكن أفوّت ديواناً إلا وأقرأه .. !
كونت علاقاتٍ جيدة
مع كثيرٍ من الشعراء
صرتُ أجالسهم
وأول قصيدة قلتها في مجالسهم
كانت عن خبز جدتي ..
كانت قصيدة مختلفة
تشبه إعادة رضيع إلى بطن أمه
الكلّ كان ينصت
وكأني ألد القصيدة من خاصرتي…
جدتي التي خبزت أيامي
نسيت أن تُعلّمني كيف أخبز قوتاً في غيابها !
جدتي التي ولدت أبي
ولدتني أيضاً
من رحم يديها ولدتني
من فمها عندما نادتني
من بين أضلعها عندما حضنتي
ولدتني من جوارِحها وحواسها كُلها
ولدتني بطريقة إلهيّة
تشبه ولادة هذا الكون .. !
الكلّ كان ينصت
والكلّ كان يتألم
فالمطبعة التي عملت بها
علّمتني كيف أجعل من القصيدة
حروفاً تُدق في القلوب كالمسامير … !
صرتُ مُحترفاً بعدها
لا تمر أمسية إلا ويوجه لي
بطاقتي دعوة
واحدةٌ باسمي وأخرى باسم جدتي
جدّتي التي لم يرَ أحد وجهها
كانت ملامحها في وجهي ..
نعم أنا هرم مثلها ، وصوتي كذلك
فأنا ألبس جدتي كلّها
منذ أن تركتُ بلادي …. !
لم تعد تعنيني المطابع والدواوين
أنا أكبرُ من هرطقاتكم
ورغم أني لا أجيد رصفَ الحروف
ولا هندستها
يكفيني أمران اثنان
أنّي في كل مجلس شعر
ألدُ جدّتي بقصيدة ،
وأدفن حبيبتي التي رحلت بقصيدة أخرى !!
————————