فضاء المجلة

أحلم أن أصبح رجلا طويلا

اسامة الظويهري
لطالما كنت أحلم أن أصبح رجلا طويلا ،و أن أنظر إلى هذا العالم من فوق
أمي كانت تتمنى أن أصبح متعلما و عارفا
و تدعو الله أن يحل عقدة لساني ، و يفقه قولي
كانت تريدني أن أصير متحدثا بارعا و مخاطبا جيدا ،
و أن يصدق الجميع كل ما أقول و يندهشوا لذلك
أما أنا فلم أكن أهتم لما تقول و لا أبالي بذلك
أردت أن ألامس السماء بيدي ، و أصعد للقمة بجسدي
في المدرسة ؛ كنت أعتقد أن المعلم هو الله ، فقط لأنه أطول شخص رأيته في حياتي و الجميع يخافونه
كنت في ذلك الزمن أتعمد الخروج إلى السبورة
لا لشيئ ، لأني أريد أن أصعد على تلك العتبة الخاصة بالمعلم ، و أرى كل أصدقائي من الأعلى و هم جالسون
في البيت ؛ كنت أسرق أحذية بالكعب العالي و ألبسها ، و أمشي على أطراف أصابعي كي أبدو أكبر أمامهم
و إذا أردت التحدث ، أصعد فوق كرسي مثل موسوليني
حتى أني عندما أري شخص أمامي ، لا يهمني إن كان وسيما أو مثقفا
كل ما كان يشغل بالي أن أصبح أطول منه و من غيره
كنت آكل بشراهة ، و أحرك عقارب الساعة إلى الأمام كي أكبر بسرعة
لقد كسرت يدي و ساقي مرات عديدة و أنا أتسلق أسطح البيوت و الجبال ، كي أتبول و أبصق على هذا العالم المزعج من الأعلى
اليوم !
أنا كبرت و صرت طويلا كما أردت
أصبحت أطول من المعلم ، و من أمي و أبي ، و أطول من كل أفراد عائلتي
فراشي لم يعد يسعني ، و عندما أنام صارت أقدامي الطويلة تظهر من تحت الغطاء
لم أعد أحتاج لتسلق الأشجار كي أقطف الثمار
يكفي أن أرفع يدي إلى الأعلى و أحصل على ما أريد
لم يعد باب بيتنا كبيرا و يخيفني مثلما كان ، و لم أعد أشعر أنني مثل النملة عندما يعانقني أحدهم
لقد تحقق هذا الحلم الذي كان يشغلني في طفولتي
حصلت على ما أريد ، و أصبحت أنظر إليكم من فوق
لكنني اليوم ، و بعد مرور كل هذه السنوات
أنظر إلى الأسفل لأرى ما يحصل ؛
أرى تحتي كل أولاءك الوشاة و المخادعين و المستهزئين
أرى كل الحمقى و الأقزام الذين مررت بهم ، و هم يتسلقون القمة عديد المرات بصعوبة ، محاولين أن يصلوا لي ، ثم يسقطون على رؤوسهم.
*اللوحة التشكيلية لروناك عزيز