صدام الزيدي
لماذا اخترت هذه النصوص؟
بينما تتحفز الحرب لعامٍ خامس من الاقتتال والمعارك الدائرة حاليًا في اليمن، بعيدًا عن ذلك، تتحفز قصيدة للاشتعال على رؤوس أنامل محمومة بالكتابة، الكتابة التي توغل في أعماق الجرح وتتطاير أشلاءً من نجوم.
نصوص هذا الملف، تحتفي بدهشة القرائح التي أنجزت كل هذه الفضاءات اللانهائية. جاء اختيارها وفقًا لمعايير واشتراطات عدة، نشير إلى أهمها:
– قصيدة نثر تفتح في الأفقية المحتشدة بأدخنة الحرب أكوانًا من النشوة، تحلق بجناحي نسرٍ جبليّ في الآماد العليا للأزرق الفاتن ناحية الله.
– شجرة ناحلة، ابتكرتها قصائد شعراء شباب ألفيون (كتبوا ابتداءً من العام 2000م فصاعدًا، مع استثناء قليل جدًا لنصوص كُتّابها هم في الأصل بدؤوا في الكتابة الشعرية مع أواخر العقد الأخير من القرن الماضي، غير أنهم إلى الألفينيين أقرب).
– المغايرة والجديد في كتابةٍ تضيف إلى مسيرة قصيدة النثر اليمنية ألقًا واثبًا وقد لا تشبه ما أنجزته مدونة الشعر التسعيني وما قبله على طريق التحديث والتفلّت من عبء الأشكال التقليدية.
– بسبب الحرب، ولأن دور النشر المحلية أغلقت أبوابها، ضمن انهيار مؤسف لمشهدية التفاعل الثقافي وفاعليات الحراك الثقافي (إلا من مبادرات خجولة)، يأتي هذا الملف للاحتفاء بنصوص شعرية لأصوات شابة من بينها عدد كبير من الأسماء التي اتجهت لكتابة قصيدة النثر بعد ثورة 11 فبراير 2011 لا سيما الشاعرات. وهنا تتاح فرصة لإلقاء ضوء على مشهدية لم تهزمها الحرب.
– الاحتفاء بالنص: يحتفي الملف إضافة إلى نصوص لشعراء يكتبون قصيدة النثر منذ الاندلاعة الأولى، بنصوص نثرية كتبها شعراء شباب عرف عنهم كتابة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة أيضًا، ذلك يتماشى مع حالة من الود، في غياب ما يمكن أن يكون حساسية بين شعراء الأشكال (إلا من تجاعيد هنا أو هناك) فالجميع هنا يفرّون إلى القصيدة من شبح غامض يهدم بنيان الوطن الغريب.
– تحضر نجمتان بين ثنايا الدهشة، لعل دأبهما: الومضة، والهايكو؛ نموذجان لكتابة أكثر خفةً، في المنحدر السبئي الذاهب إلى المستقبل.
– في أنحاء من هذا الملف، ثمة ضرورة فنية ألقت بهذا النص أو ذاك، في معترك البداية أو النهاية، حين تدلّت كل هذي العناقيد.
________________
شجرةٌ لا أعرفها
جلال الأحمدي
شجرة لا أعرفها
تزورني كلما غلبتها عاطفة الشجر
تقف عند عتبتي
تحتك بكامل جسدها مع الباب
تقول أنا جدتك، افتح
فأفتح
أنا المقطوع من شجرة.
تترك جذورها خارجا، وتدخل
أقدم لها بعض الفستق والنبيذ
ثم نقعد أمام المدفأة
نتحدث عن العطش
و أشياء الأشجار
نتحدث دون أن نحرك فما
أو نسقط ورقة
عن طائر ما عابر أحببناه
وانتظرنا عودته
عن تكسر الأغصان بفعل الصقيع
أو الضجر
عن مرض في الساق
أو هشاشة في الداخل
عن فزعنا القديم من الحطاب نفسه
وعتبنا على الفأس.
لساعات مثل أرملتين
انتبهتا من سبات طويل للتو
نتنهد ونقشر الفستق ونبكي
إلى أن يغلبنا التعب
فاوصلها إلى الباب
شجرة سكرانة وبائسة
تستند بأغصانها الخشنة على كتفي
وهي تحتك بكل مافي طريقها من خشب
وتزفر
ثم مثل فتاة صغيرة
تتربع أمام الباب
أساعدها في ارتداء جذورها
لكنها لا تغادر
أقول لمن هذه الجذور المعقدة!
فتبتسم
لمن هذه الأغصان القوية!
فتبتسم
ثم أخلع الباب
وأقول لمن هذا؟
فتضحك حتى تظهر الأزهار
ثم تحمله معها
وتمضي في طريقها.
مواجع
قيس عبد المغني
ادعُ مواجعك كلها إلى طاولة محايدة
ابتسم لها كأنها صديقتك الحميمة
اطلب لها عشاء” جيدا” وشرابا” خفيفا”
ثم أخبرها – وأنت تشعل لها سيجارا” فاخرا”-
أن ثمة امرأة أخرى
وأنك بصدد الانتقال للعيش معها
أو
كن شجاعا”
و أخبرها بالحقيقة..
أخبرها -وأنت تتأمل السقف الذي وضعته لآمالك-
بأن الحرب قد وصلت إلى حدود شقتك
و أن طائرات التحالف قد قصفت الطريق المؤدي إلى سريرك..
أن شهيدا” يستخدم شفرة حلاقتك
أن ميليشيات مغموسة بالدم تحاصر مطبخك،
قل لها بأن البنك المركزي اليمني قد أفلس
و أن راتبك يرتعد من الخوف ومن الديون ومن المؤجر..
كن واقعيا”
ومباشرا”
أخبرها
-وأنت تمرر نحوها فاتورة الحساب –
أن عليها أن تدفع الثمن
ولو لمرة واحدة.
في قلب مغارة
عماد البريهي
القريةُ التي وُلدتُ فيها لم تَكبُر
الحارسُ الذي نام تحتَ عانةِ الليل
تشققَ قدمُه
العصفورُ الذي تسللَ إلى صَدري لم يعلمني الغناء
أبي…
آخرُ رجلٍ تَعرفتُ عليه وهو يحملُ التاريخَ على كتفِه
أبي…
الذي وُلد من عُشبةٍ قَديمةٍ وهو يَتهجّى ملامحَ القبيلة
تعلمت منه “الوقوف كثيرًا أمامَ المرآة”
الجلوسَ تحتَ قفصِ الليل
النظرَ إلى الهاوية
القفزَ على رؤوسِ الفلاسفة
الآن صار بإمكاني
أن أتعدد بكلّ الجهاتِ
أن أتشكلَ بروحِ بوذيّ عاشَ في قلبِ مغارة.
جذر الهزيمة
منير عوض
لا أنا فكرةٌ لا خيالٌ ولا أيّ شيءٍ
ممّا يخطرُ في بالِ المغنّي حين يكتبُ يومياتِه؛
لن يتركَ مساحةً لإضافتي
أنا البياضُ المؤقت
لا أعتني بقطةِ الغيب
لا أرجو منها أنْ تدلَّني على شجرتي العائلية.
أنا سلسلةٌ من القهرِ اليوميِّ تمتدُّ إلى ما قبل هوّةِ المسمى:
سلالةٌ من الغرقى
سلالةٌ من المذبوحين
سلالةٌ من المشنوقين بخيطِ حرير.
لم أتنبَّهْ إلى قدري كمغذّي انفجارات
وباعثِ كوارث؛
إلا بعدَ أن تهشّمَ وجهي على كتبِ الفلاسفةِ والمنجمين!
لم أزاولْ مهنتي كصانعِ أمراض،
لم أُطلعْ أمي بموهبتي في أكلِ الزهورِ وتحطيمِ الأواني
أنا ساقُ البكاء، جَذرُ الهزيمة!!
*من نص طويل بعنوان “بين أشجار اللاشيء”
افتحي لي بابًا أدخلك منه
أحمد العرامي
كل هذا الليل لا يكفي لصناعة شرفةٍ أقع منها عليكِ.
افتحي لي بابًا أدخلك منه،
مدي لي يدًا
أقطعها حافيًا حتى آخر حلمةٍ في البال،
إنني وحيد
والكثير مني في الخارج ينتظرك،
إنني قليل،
والكثير منك يحتضر من غيري،
أيتها الليل
وآخره،
أيتها الصبح والشرفة التي لا أقع منها عليكِ،
إنني أحبك
..
وهكذا أنام كل ليلةٍ
مثل جيشٍ مهزوم.
مقاطع
مها عبد الرحيم
(1)
تضيق هذه المدينة كل يوم
تضيق حتى بالمطر
بصراع البقاء
بانتزاع لقمة العيش من الأيام الشرسة
بزخم الشعارات المتضادة
وبأوجاع أهلها الخانقة
بالفقد اللامبرر
بالذكريات المزدحمة في شوارعها
برائحة الخوف والجشع
وحتى بأهلها وهم يخشون أن تموت فيهم
قبل أن يموتوا فيها.
(2)
في الحب
الكلمات تشبه الرصاص
واحدة خاطئة تسفك دم الروح
وأخرى في مكانها تحيي قلبًا سئم ذبوله
وحتى عبارة وداع شجاعة
تغدو رصاصات رحمة واجبة
أما الصمت فأشد وجعًا
لأنه يعرّي جسد الحب لسياط الظنون.
(3)
إنه حب… حب خالص
ذاك الذي ترتق كلمة منه
روحًا مزقتها المسافات.
من “يوميات الغائب”
رياض السامعي
تقول أنها حكَّتْ بجسدها صقيعي، فأَسَالَتْ على شفتيها لغتي، شكَرَت نضوج أصابعي مبكراً وأضافت:
حين تنمو على صدركَ أعشاب بكارتي، سأنزّ عطراً إلهياً يغترفكَ لي، وأعصركَ داخلي حنطةً وشعيرا، فإذا ما استخلصتكَ لأنوثتي، رجمتُكَ بنهداي حتى يغطيكَ العَرَقْ.
الأنثى.. هي أي شيءٍ يضع السماء على أرجوحة النسيان، ويهدهدها حتى تنام.
كلما مررت مبتسما من أمام نهديك
تطلقين موجة صراخ إلى ذاكرتي
فقط نبهيني مسبقا، كي لا أقترب.
مكان واحد يمكنه أن يرعى لقاءاتنا السرية
إنه قلبك.
فقط أزيلي العتمة التي حفرتها عينيك في قلبي حتى تتمكني من الوصول إليه.
الأنثى الوحيدة التي ضاجعتها سرًا في مراهقتي، كانت قصيدتي الأولى.
قلبي كدمعتك تمامًا
حارة جدًا ويملؤها الشجن.
تطلقين جمع غفير من الحنين تجاهي
وتريدين مني مقاومة اختفاءك
الأنثى ضرورة ملحة
لاستكمال الهدوء.
لعبة الأرقام، ساذجةٌ حد البلاهة، إنها تستهوي الفارغين، وتروق لكتبة التقارير السرية، كونوا أكثر جرأة في التعبير عن رفضكم.
شجعانًا، وقعنا في الفخ
ميسون الإرياني
لنذوب في النهر
علينا أن نعلّم ظلال قلوبنا كيف تموت
أن ندربها على فقدان آخر زهرة
آخر شوكة
آخر ناي
سيدلنا الغبار ذات يوم
على تماثيل شجعان
دفنوا الظلم في ذقونهم
و مشوا منتصبي القامات في خطوط طويلة
مثل ثلاث بطات يتجاهلن غصون الياسمين
يعلموننا كيف يبدل الطائر سريره كل يوم في القفص
ويرسم على الجدران
محنته السعيدة
سيعلموننا
كيف نرتدي قمصان الكاروهات
وبناطيل ثقيلة بالمآسي الطارئة
ربطات العنق التي تركها مشردون فقدوا عقولهم في الشمس
ثم حينما نلحقهم،
رفاة حناجرهم
سندرك أننا
وقعنا في الفخ.
اقترفت أشياء كثيرة….
صدام الزيدي
كنت أضحك وحيدًا
عندما وصلني إشعار من دلافيني البعيدة
يبلغني بنهاية الزمن
اقتربت من بركة ماء ساخنة ورميتني فيها
مستمتعًا بدفء المكان.
ضحكت وأنا أغمس رأسي عميقًا
حتى تطايرت فرشاة رسّام كان يرمقني من متنزهٍ خلف جبال الإكوادور.
واصلت الغطس تارةً والضحك تارةً
قبل أن يستيقظ ديناصور نائم في أعماقي
سمعت هرولته وشعرت بالأرض تهتز
توقفت أرقب المشهد الذي لم يكن مرئيًا لأحد
عاودت نزالاتي في قاع بركة سحيقة
تظاهرت بعدم الانتباه لديناصور يجري في أعماقي
متجهًا ناحيتي
وانهمكت مجددًا في الضحك
واصلت نزقي الغريب في واحدة من أندر لحظات هذا الانسان المجنون
اقترفت أشياء كثيرة ولامعة:
كتبت عليّ الاغتراب في الوطن
جرّدتني من أوسمة الماضي
سكبت المجرة من فم حلزونةٍ في جعبتها باسوورد خطير
بوسعه ايقاف النبض في خلايا المنفى الجذعية
عدت إلى اليابسة متسلقًا ظهر زرافة
وأدركت كم أنا الناجي الأخير
ارتديت ملابس قديمة وأخذت أصفر وأرقص
كما يفعل دراويش السيرك الهندي
انتهى بي الحال خارج الزمن-
داخل جوف ديناصور ضخم
شرعت في مقاومة عالم مخيف
يبتسم لي في الضوء
ويترصدني في الظلام
تنبهت أنه لا بد من أن أصرخ؛
لا أدري كيف جاءت الفكرة فجأة،
صرخت في المرة الأولى
نهضت ايطاليا الجميلة من بين أصابعي
صرخت ثانية، تداعت ديناصورات العالم
دفعة واحدة
أخذت أقودها ناحية جبال الأنديز
بينما أحاول اجتراح نهاية لنص تذكرت أنني أكتبه
لكن السديم كان أكبر وأفظع من أن أفيض إلى القيامة!
ما الخوف يا جان كوكتو؟
عبد الرحمن الزراف
ما الخوف يا جان كوكتو؟!
هذه الهوّة التي تُفتح في صدرك.. ولا قرار تحاولُ ردمها بالشِّعر..
فتزدادُ اتساعًا
تحاولُ تناسيها بالضّحك..
فيرجعُ منها الصّدى ضحكات شياطين معربدة
تحاول أن تراها بعيني الحبّ: إطلالةً أخّاذة
لكنّها تخلعُ القلب
تفرّ من الجميع؛ خشية أن يدفعك إليها أحدهم
لكنك تحملها داخل عزلتك/ داخلك
وتحدّق بها طوال الوقت!
مثيرون للشفقة
ابراهيم الفلاحي
أفتقر جدًا لمن يضمّني
لقبلةٍ دافئةٍ ملئها شغف على فمي
جميعنا في واقعٍ مثل هذا
يفتقر ذلك
وإن بنسب متفاوتة
ما أحوجنا للحب لإغاضة الحرب
وتبديد ويلاتها
لتفويت الفرصة على ما تخلفه فينا
من البغضاء والكراهية
كم أصبحنا مثيرين للشفقة
نفتش في الدمار القاحل عن وردةٍ شاغرةٍ
تعيد فينا توصيف الحياة
وتطيل أمد الأمل المخنوق داخلنا
نبحث في الهلاك عن غيمةٍ شاردة
يراودنا الحلم من خلالها
بموعدٍ أنيق
ورقصةٍ زاهية تحت المطر
نأسفُ كثيرًا لما هو عليه حالنا
نأسف كثيرًا لما يحصل لنا
نأسف لما حل بنا من البشاعة
وإن هو نتاج طبيعي لوعينا الزائف
وعدم تعاطينا الإيجابي مع الحياة كقيمة
علّنا أدركنا الآن
ولو في وقت جدًا متأخر
احتياجنا الفعلي للحب
وخلق أكثر من فرصة
لإشاعته بين الناس
لم نعد بحاجة لمواعظ فضفاضة وفارغة
اشتغلت على خداعنا
لم نعد بحاجة لواعظين
بتلك الأصوات الغليظة
وهي تجيد تمجيد الحرب
والتأثير فيما بقي لدينا من الجثث المغلوبة على أمرها
لم نعد بحاجة إلى المزيد من الحيل
لجرّنا من أنوفنا لما هو أسوأ
نريد أن ننام فقط
لنحلم أننا لازلنا على قيد الحياة
وأن بإمكاننا استعادة
طفولتنا من بين أشداق المقابر.
بمخافة الذين مرّوا على الماء
إيمان السعيدي
بمخافة الذين مرّوا على الماء،
وغضّ عنهم بللَه..
أغرق الآن بعزلةٍ قمئة
أغرقُ فيّ،
ولا عصا لي ولا حزن يصرفُ سواده عني..
.
.
.
.
هاأنذا يا الله
إيمان ابنة زينب بمظهر حديث تماما كساحة معركة
كلما وضعت مرهما عليّ تأوه بشرٌ ما
أحملُ عمرا متقوسا
وأجثو على قلبي في الركن الدامي من هذه المقصلة
لا أعرف أي حلم يحين دوره؟!
أكره الخرائط يا الله
أكره ظهري
أكره هذه المجازات التعبة
وأحبك
ها أنا إيمان فقط
أقسم عليك أن تضرب جسد هذه الحرب لنمضي
في الوقت الذي يغضّ الموتُ طرفه عنا…
*من نص: “عريضة أطول من حرب”//
كنت وحدي
ضياف البرّاق
حينها كنت وحدي كإلهٍ من ورق،
هزّني الخوفُ فجأةً
حتى إنني فقدتُ الرغبة نحو كل شيء..
“أنا هنا يا إلهي” صرختُ بغير قصد،
ونسيتُ أشياءً كثيرة كنتُ أحاول تدوينها في قصيدة المستقبل. أي مستقبل أقصد؟
أشعلتُ نصفَ سيجارتي المتبقي من عمري،
أشعلتُهُ بحزني
سحبتُ نفَسًا عميقًا كمن يسحب جثته من داخله
حبستُهُ في جرح ما كان يتأرجح بداخلي
لم أسمح له بالخروج،
وهو أيضًا لم يسمح لي بالدخول إليَّ !
ثم رأيتُ الحربَ تقتربُ من ملامحي المعجونة باليأس والملل..
كانت تقترب بسرعة البرق، انظروا!
في هذه الأثناء لم أقرّر الهَرَب،
(“الحياة لمن يجرؤ” تعلمتُها من بوكوفسكي)
رحتُ أتجاهل نفسي المنهَكة دائمًا، وأتذكّر امرأة ما، ليست حبيبتي
امرأة من الفراغ
لكنها مدهشة كمكالمة فائتة
كان اسمها يرتجِف..
صوتُها يرتجف..
قلبها يترجف..
ووجهها يرتجف كأنه وجهي أنا!
حتى خروج آخر عصفورٍ مِن رأسي
طه العزعزي
لن أجرَحني إذاً
سأقولُ للقلبِ اكتمِل إلا امرأةً
وللعينِ إلا غمزةً
وللأُذُنِ إلا شَتِيمَة
وهكذا ستَذكُرُني أعضائي
إذا فاضَت كالبحرِ.
***
لَن أُسكِتَني الآنَ
سَأُحرِّضَنِي كي أرقُصَ
أرقُصَ جانباً باتِّجاهِ البحرِ
أو أرقصَ واقفاً على الخَرابِ
أرقصَ كما شِئتُ
عَمداً أو سَهواً
سَأُحُرِّضِني على الكفاحِ
الكفاحِ من أجلِنا جميعاً
ياأوغادَ العالمِ المجنونِ
أعِدُكم أنّي سأكافحُ حتى خروجِ آخِرِ عصفورٍ مِن رأسِي.
في صباحٍ قادم…
عيسى الصوفي
في صباح قادم
سوف تخرج الحرب
و تتحدث مباشرة للمخلوقات
تستعرض الحقائق بطريقة مختزلة
تقديري أنها ليست بحاجة للنبش
إيماء واحد كاف للإدانة ..
انتظروا
ليس هذا ما ستقوله الحرب
الكلام سيأتي بعد فاصل قصير
كم أنتِ لطيفة أيتها الحرب !!
حتى في ذروة الغضب
تمنحينا استحقاق السِّلم
و فاصل وخيارات أخرى
لست شريرة إذن
كما أنكِ لست بلا قلب
لا فرق بين الحب و الحرب
كلاهما واحد في تخصيب الحياة
فقط البشر بارعون في التظليل
و دكاكين الكراهية كثيرة
في هذا العالم
يا لخيبتهم ..
قراصنة حتى على الموت
لست وحدك ضحية يا سيدتي
هكذا سأعتذر للحرب أثناء الفاصل
و سأمضي وحيدًا كطريق سريع
دون أن انتظر.
فؤوس
فارس العليي
ماذا يفعل فأس في رأس الشجرة؟
***
تزوج الحطاب امرأة بلا خصر
عَبَر فأسه محيط الجذع
ها هو بلا يدين
منذ محى الفأس فكرة الاحتضان
***
الحياة باردة بشدة
شعر الحطاب بذلك طوال الوقت
الى أن ترمّد آخر جذع
تحب الفؤوس المرأة الواقفة
هذا ما يفسر تصحر الغابة
***
أصوات الأسرّة الخشبية
رعشة نسيها الفأس لحظة المضاجعة الأولى.
***
الفأس، يدفء برد العالم.
***
عندما تذكّر الثلج صوت الفأس
انقطع ضحكه الأبيض.
***
تحب المرأة صوت الفأس
يحب الرجل ظل الشجرة
لذا: لا يحد ضجيج المرأة سوى سقف الرجل.
***
الفأس المفلول..
نصف رجل هجرته حبيبته
منذ سنين
لم يضاجع بعدها امرأة.
***
حتى قبل الحطّاب..
الفأس أول من قَبّل خصرًا
والسرير آخر من ارتعش.
كل هذا أنت..
أحمد النجار
كل هذا أنت…
مقعد وحيد في حديقة.. ينتظر شخصًا لا يصل
قنينة فارغة.. يسكنها رجل مشرد فقد ذاكرته منذ زمن..
وردة ملقاة في الطريق.. تحملها قافلة نمل إلى نعشها الأخير..
رئة نخرها الحب والنيكوتين
قلب مثقوب لا يزال ينزف وجوهاً وطعنات وأشياء حبيبة
مطر خفيف يبلل أعماقك دون أن يمسس ثيابك بآهة واحدة
نبضة عمرها 14 عامًا ملفوفة داخل منديل
نظرة حمراء تحتفظ بها كأنها سيرة ذاتية للقهر
كل هذا أنت..
أشياء صغيرة جدًا لا تزال تستيقظ بداخلك
كلمة “صباح الخير” تعادل كل أغنيات فيروز
تلويحة يد تغازل نعاسك من انعكاس النجفة
حمامة بيضاء تفاجئك كل ليلة برسالة مربوطة إلى ساقها
لفافة غرام مهربة من عصر البريد العاطفي قبل اكتشاف ثورة الوتساب.
غصة مهملة على الرف
وجه يشتم العالم من نافذة الكوكب التاسع
خيبات تعيش بأمان تحت جلدك
وخسارات تستيقظ مجدداً داخل عظامك..
عناكب تتجول بحرية فوق جدران خاطرك
دمعة مترسبة في فنجانك
عطر قديم.. يطلق النار في قلبك
كل هذا أنت… كل هذا حزنك وأكثر..!
أشياء حادة مثل غيابكِ..
ماجد عاطف
تحاصرني
الأشياء السيئة والمخيفة
التي تأتي عن طريقكِ
قائمة قتلاكِ
السكاكين والبندقية
وأشياء حادة مثل غيابكِ
متصفحكِ الإلكتروني
الذي به كثير من الرجال
المشغولين بالتودد اليكِ
خوفكِ من أن تموتين
بقذيفة حوثي
أو غارة خاطئة للتحالف العربي
لم أتقن حتى الآن
الإمساك بالغصن الآخر كالقردةِ
لأقفز إليه قبل أن أفلت
من الغصن الحالي
اعتدت الإمساك بكِ
حاولتُ القفز نحو امرأة أخرى
قبل أن تذهبين
وتقولين وداعًا
فقط هكذا دون أن تحشينها بكلمة أحبكَ
كي لا تقتلين بها أحدًا
تتركينها لي
أدسها في جيبي
أمنحها للجيش وللعدو
للأطفال مبتوري الأطراف
وأراَمل الحرب
والجنود عديمي الجدوى
ممن فقدوا أعضائهم في الحرب
قلتِ وداعًا فقط
مخلفة ورائكِ
الكثير من الضحايا
من الرجال الذين يتوددون
إليكِ وأنا واحد منهم….
مأخوذة بالسراب
منى المصباحي
الساعة الآن
منتصف البكاء
إلا دمعة..
ها أنا أتكوم حول نفسي
كالرقم صفر بحيادية مطلقة
تتوسطني هاوية سحيقة
تجرني إلىٰ ما بعد التيه..
أستند علىٰ ذاكرتي الممزقة
ومزلاج باب القلب مواربٌ نحو السماء..
أنا العالقة
خارج حدود الوقت
وخارج تفاصيل الحكاية
كم من الزمن مر بي؟
أنا التائهة
في طرقات مأخوذة بالسراب
أبحث عني في أوراق بهت لون الحبر فيها،
أبحث عني في ظل يسند حلمه علىٰ جدران المدن التعِسة،
أو في قبلة تعيد غرسي
قصيدة..
* من نص طويل//
أقلّية…
حكيم مجلي
أنا أقليّةٌ داخل ذاتي
أنصب إصبعا في الخفاء
وأمارس حوله طقوسي الغريبة عني
أتحلق حول نار متوهمة
وأرقص مثيرًا وهجها
بوقع خطاي
أردد أهازيج
لاتعرفها الجينات
وأقلد حركات الضب
بدائيًا
أبدأ بتلقيني
تأتأة المطر
ومواء السراديب الحزينة
وصفير الأحجيات
في الليالي المقمرة
أطارد العراء
كي يأوي لبيته
خلف الأفق
ويترك متسعًا من الوقت
أمام ظلي
ليجمع أشجاره الطليقة
ويسوجني
بغابة من العظام
والخشب.
فنتازيا
عبد الغني المخلافي
العصفورُ الذي وقعَ
في القفصِ
لا يكفُ عن
إطلاقِ الغناء
***
بك يتوهج الحلمُ
وينطوي المدى
عند اشتهائي
***
أتذكرك
لتخضّرَ روحي
وتكتّسِي كلُ المساحاتِ
المجدبة بالعشب
***
مقطوعٌ أنا..
لا صديقَ أثرثرُ إليه
لا حبيبةَ يربطني
بها موعد
لا قصيدةَ تُعِيدُني
إلي فنتازيّتي
***
شعوري
بمواجعِ القلبِ
لا يمكن اختصاره
في جرّةِ قلم
***
كلّما ذهبتُ
إلى الوطنِ
أعودُ بقلبٍ نازف
وعلى فمي مرارة
***
يالقسوةَ العيشِ
عندما يستحيلُ
المرءُ إلى آلة
***
ثمّةَ محطّات
لم تخطر في بال
وانعطافات لا تتوقع
السيرَ فوق سِكَكِها.
الشعراء الهواة
محمد الحريبي
صار لدينا الكثير لنكتبه
نحن الشعراء الهواة
أثخنتنا الحروب بالمجازات
الغربة بالألحان
والجنائز بالمراثي!
صار لدينا الكثير لنكتبه
نحن الشعراء الهواة
خذلانات الأحبة علمتنا
وطعنات الأصدقاء
كنايات النزوح والطفر واستعارات الأرغفة
وحتى أشلاء الأطفال الذين أدمنّا رؤيتهم يلعبون
قبل مطر القذائف…
صار لدينا الكثير لنكتبه
نحن الشعراء الهواة
عن منازلنا المهشمة
ووحشتنا في زحمة الأزقة
وعن انتظاراتنا التي جفت و صيرتنا حفاة…
صار لدينا الكثير لنكتبه
وفقط نحتاج قيمة حبر وأوراق
ولا يهمنا أبدًا أمر وجبة ثانية لأطفالنا
أو إيجار غرفة صغيرة تنقذنا من برد النزوح و اللغة!.
صار لدينا الكثير لنكتبه أيها المثقفين
وقريبًا جدًا سنختفي
وتبقون وحدكم في القمة!.
لغات
محمد يحيى عبد المغني
أستخدم أكثر من لغة حية
لقتل اليوم الواحد:
الفصحى للكتابة،
الخرساء للتفكير،
المحلية للحديث،
السوقية لتوجيه الشتائم
وإنجليزية إم بي سي تو
لتحميل الأفلام
وكلامك الشهي
لتغذية صمتي.
يمسد شعر النهار
محمود الظهري
الفكرة التي كانت عشبة ثم صارت لؤلؤة ثم صارت نجمة
نزفت كل ضوءها في كُريات القصيدة..
النص مجرة ضوئية
الفكرة لا تنسى نفسها ولا تتنكر لأحد
الأعشاب تسري إلى البحر
اللآلئ تصعد إلى السماء
النجمات تعرج في النص
النص لا ينسى أصله ولا يتنكر للفكرة
النص يحرر العشبة
يُقلق المجموعة الشمسية
تقول زهرة عباد الشمس التي كفرت:
أن الشمس كانت زهرة مثلها..
العشبة التي تخون الفكرة لا تصبح لؤلؤة
اللؤلؤة التي تبقى في الماء لا تصبح نجمة
النجمة التي لا تنزف ضوئها في شريان النص لن تصبح مجرة..
النص غالبًا لا يكون هنا
يكون هناك
يمسد شعر النهار الصغير الذي سيجيء غدًا.
سينام الفقراء
محمد السندي
سينام الفقراء
المطر يحبهم
يلتهمهم بفرح
وسائدهم محشوة
بالأحلام
وحده المطر..
فانوس أمنيات
حين يتفتح الأطفال
وتخضر قلوب المتعبين
السيارات قوارب صيد
الأقدام مجاديف
حماقاتنا تجوب الشوارع
وتخلق من الطين
كهيئة الحب وأكثر!
رِهان..
سيف أبوعلي
أُراهنُ على احتدامِ الفكرةِ
أنّا تلد الذكرى
أشلائي
من رحم الضوء!!
هكذا…
تستلب اللحظة أنفاسي كل ربيعٍ
التسكّع بين أزقّة السطورِ،
التَيهِ خارج سياقِ الحُلمِ،
و الإنتشاء على أسوارِ الغفلةِ..
كُلُها رغبةٌ تقتات على وجعي كل مساء
كمثلجاتِِ مشتعلةٍ من فرط اللِّذةِ
بين يديّ طفلٍ شقيّ
يلعقها بشراهتهِ المعهودة!!
أتذكر جيدا
كيف تشتاق أُحجيات جدتي
لشغفي الطفولي،
كيف اعتدت على اشتعال الفكرةِ
و احتدام دراميتها
على منعطفات التجاعيد العتيقة في محياها
وهي تحاول جاهدةً
أن تفقأ عين الكآبة المحتدمة
بين حاجبيّ!!
اللحظات المشؤومة لميلادي
آدم الحسامي
_كآبة الغيوم البنية فوق شجر المريمرة
_غربان صغيرة متشبثة بحفيف الاغصان
(هل تنتظر ولائم يلمح لها احمرار الشفق
في الساحل الغربي،
أم لمجرد وقوفها الأزلي فوق المدينة/المقبرة)
_ معزوفات قوالب الروتي الحديدية
الخارجة من أتون مختبئها من غلاء المجازات
_الأشجار الأسطورية ذاتها تحاصر عاشقين
في بستان الكمسري
_غربان صغيرة متشبثة بحفيف الأغصان
وبرذاذ الأمواج وصرير مخاوف الأمهات
_ كذبة المول البارد تغري بالاقتراب والهروب
_ضباب الغوبة الموسمية يحجب الإطارات
المشتعلة فوق رماد شوارع المنصورة
إنه أغسطس.. الطقس وحده يحتكر الثورات
وأنا متعب حتی من فكرة استعادة:
اللحظات المشؤومة لميلادي المجيد.
وصية
بشير المصقري
أيها الحظ
خُذ خريطتك وبوصلتك
أيها الهجس
خذ القصيدة الأخيرة
أيها الوطن خذ الأحزاب والجرائد
أيها الشعر خذ نصيبك من رمادي
أيتها الجنازة خذي بيد الغياب
أيها الفقر خذ أطفالي برفق
أيتها المدينة خذي لعنة الإحباط
أيها الشاعر خذ بعضك إلى كهف يعصمك من حياة منتهية الصلاحية
وأنتِ أيتها الوصية
خذي الميراث إلى النسيان الذي يحرس المقابر.
حائط
خالد الفايشي
مجرد حائط مليء بالثقوب
خلفته القذائف شاهدا في مدخل المدينة المنكوبة
يحكي للعابرين فصول معركة لا أنداد فيها
حائط وحيد
عاطل عن الظل
ينتظر لحظة سقوطه ليتحرر من أحزانه
ويواري سوأته في التراب.
هكذا أنا في غيابك.
لا وقت لي للحزن
لارا الظراسي
لا وقت لي للحزن
حتى الحزن الذي يخافه الناس
يهشونه بالتعاويذ والأذكار
يستحضرون التمتمات لمواجهته
لا وقت لي أن أتعرف عليه أكثر
أن أسقط في حباله الطويلة
وأن أخاف
أنا امرأة بلا حزن.. بلا قلب.. بلا ذاكرة
امرأة جاءت هكذا بمواصفات عالية الخيبة
أن تكون شجرة
ولا يعرف أحد كيف يستظل بها
أن يكون لها مزاجها الخاص جدًا
واشتراطاتها الكثيرة
واتفاقياتها التي لا تنتهي
أن تطلب منك أن تقول لها نكتة مقابل أن ترويها بك
هذه معادلة ظالمة
وأن تطلب منك قبلة مقابل هجرها
شجرة تقنعك أنها قادرة على الطيران
على الالتفاف وحدها دون حركة
شجرة تجبرك على غسل يديك جيدًا قبل أن تبحث عنها
شجرة تضع عينيها في عينيك بجحود
شجرة لا تفكر مرتين بالرحيل إذا ملّت منك
إذا قلت لها ذات مساء إنها عادية
شجرة تفكر دائمًا بالحرب
بالكرّ الهائج والفرّ الجبان
شجرة لا تعرف كيف تقول إنها: تشتاق.
عقاب
بسام المسعودي
ذات ليلـــــة
عاقبت خطواتي بالركض
بلا توقف…
أجري خلــفها بحذاء
تنال من المسافة
لا أعلـــــم
لِمَ أجري،
وإلــــى أين سأصل
الوقت يشير إلى
قبل العقــــــاب،
واللحظـــــة تمام الليل
الشـــــرس،
وأنـــــــــا
بــلا مثوىً لأنام دون
ركـــــــض،
كــــل ما شعرت به
هبــــــوب ريح غافلة
عن النوافـــذ،
ريـــــــــح
نبيهة لــرجل ترك
الليل ينام وحيدًا
ثم قــــــــام
يعاقب خطواته
بالركــــــض خلفها.
وأنتِ تسرقينَ المنصةَ من الأضواء
محمد ناصر السعيدي
الفضّةُ روحُ النهارِ
وعيناكِ نافذتانِ للسّحرِ والشعر
هل قرأتِ القصيدةَ هذا الصّباح؟
اعتلاءُ المنصّةِ أقصرُ الطرقِ إلى قلوبِ الجماهيرِ
وصمتُكِ لوحةٌ سرياليةٌ يستعصي على العابرينَ فكَّ طلاسمِها
السّاحةُ تفتحُ ذراعيها للرّيحِ و اللصوصِ..
تسامرُ أحلامَ المراهقينَ
وتتلصّصُ على شاشاتِ هواتفهم إلى آخرِ الشبق
أغنيةٌ كلاسيكيةٌ تترنّحُ على طاولاتِ الكافيتريا غبشًا
كلبٌ يقطعُ الشارعَ بثقةٍ و كبرياء بعد نجاحِ مهمتهِ الليلية
ِيتثاءب ُفي زاويتِهِ المعزولة عن أبواقِ السياراتِ ويستعدُّ للنومِ
تخبئينَ كتفيكِ العاريينِ تحتَ عباءتِكِ الكاتمةِ للتّمردِ وتخرجينَ إلى جولتِكِ المعتادة
تتصاعدُ أصواتُ المكبراتِ في السّاحةِ
تزدحمُ طاولاتُ الكافيتريا على أصداءِ أغنيةٍ رومانتيكيةٍ تبعثُ على الحنين
تنتشرُ رائحةُ أنوثتِكِ في المكانِ ويندلقُ الضوء ُعلى أغصانِ القصيدةِ بين يدي شاعرٍ يقفُ على الرّصيفِ
لمن تمنحُ الوردةُ العطرَ وسطَ هذا الزّحام؟
تصفّقُ الجماهيرُ لقافيةِ الميمِ المؤسسةِ على المنصّةِ بينما يحملقُ إسكافيٌّ ثلاثينيّ في فردتي حذائكِ الأنيق
يصيحُ مجنونٌ يفترشُ الأسفلتِ في طرفِ الساحة:
(أوقفوا أصوات المكبراتِ..
كمموا أفواهَ الشعراء ِوالمهرّجينَ..
أعظم ُقصيدةٍ في الكونِ هي طقطقةُ الحوافرِ
لا صوتَ يعلو فوقَ صمتِ سيّدةِ الظهيرة وتموّجِ فتنتِها)
تتشكّلُ السّحبُ في سماءِ المدينةِ و يهطلُ المطر.
لا أكترث للطرقات
صلاح الورافي
لم أعد أكترث للطرقات
تتناقص خطواتي اليومية
مما يجعل المشي
مهددٌ بالانقراض
رئتاي جاهزتان لترك وظيفتهما
ورأسي آيلٌ للسقوط
أصبح الوقت أعمى ويسير بعكازين
أما قلبي
فقد أصبح مولعًا بجراحه
لا طاقة لي لأفكر بالحرب
لا طاقة لي لأحزن على موت أحدهم
هذه الأمور تثقل كاهلي
وأنا لم أعد قادرًا على حمل هذه الرأس
الذي تأخر سقوطها.
ملامح..
أبوبكر باجابر
سأعود إليكِ؛ لأراني وأنا كلُّ هذه الأشياء:
“مقبرة وثلاث قنابل وقنديل وصبية”
وسأعود بعد ذلك أيضًا
سأعود بعددِ المرَّاتِ التي يغيّر النهرُ جِلدَه فيها..
بلا بدايةٍ سأعود، وبلا نهايةٍ إن لزم الأمر..
وقد أقوِّضُ المتنَ كلَّه على رأسِ الهامش، إن حاول أن يواري سوءتي!
وسأمحو الماء من خريطة إدراك الظمأ، إن تجرّأت قشَّة عاهرة، وعرضت عليَّ المساعدة!
سأعودُ، بعد أن أدرِّب الشيطانَ على أداءِ دورِه الجديد، فلا ينسيني أيَّ شيءٍ من ملامحي..
أمَّا بالنسبة للشبَّان الثمانيةِ العصريين، فسأخبئهم، وسأغلق عليهم (سِسْتَةَ) بنطالي، وألفّهم بالنسيان!
إنّهم يفسدون مزاج السماء، حين تفكِّر بقلقٍ في مصير الأرض.
سأعود
وسيكون ــ حينها ــ العالمُ
ضيَّقًا جدًّا كغرفة نومٍ في الليلة الأولى!
وواسعًا جدًّا كفكرةٍ تتثاءب في رأس طفل!
وسأحرص على أن أكون الفتيل المشدود إلى هاويةٍ، هي:
“أنتِ”
ولا بأس عليَّ بعد ذلك
في أن أنسى كلَّ ملامحي!!
* من نص طويل//
بطريقةٍ حيادية
زينب عبد الله
علِّمني
كيف أحبك بالطريقة الحيادية
و المناسبة
كيف أعانقك دون أن ألمس وجهك
أو يتشبث بي بعض عطرك
كيف أُقبِّلك
محتفظة بعذرية شفتيّ،
أنام على جسدك
دون أن أمطر
أو تنبت من جدبي حقولك
دون أن أثير صخبًا
أو أبقى ساكنة أمام جنونك
كيف أحبك
دون أن تلتهمني الحرائق
التي تنتشر على حدود اللهفة
و دون أن تغني العنادل
على أطرافي
فأرتكب حماقة التجول
في ربيع صدرك،
أقطف الرعشات الصغيرة.
علمني -كيف أحبك-
دون أن يعلم الله
أو أبي
أو جارتنا التي تعمل مذياعًا
جيدًا في الحي
أو صديقاتي المنقبات
أو أشيائي القديمة
أو أحلامي المختبئة في الظل
ونوافذي المشرعة للحزن!
علمني
كيف أحبك
مأخوذة بالنصر
دون أن أحبك.
هذه رأسي أم بالونة!
رائد سروري
الحبيبة التي طلّقتُها قبلًا
خبأت بين فخذيها حربًا مسعورة
التهمت أشيائي
على الريق
صرت معطوبًا بما يكفي
لأن أصير بابا زماني
أرث الكنائس،
وأخلص نفسي للمسيح فقط،
أو أن أصير المسيح بكامل عجزي
أعمّد الكائنات بماء البحيرة
ليصبحوا أنصارًا مخلصين
/
نحن لا ننسى يا “عبد الوكيل”
فقط نتصنّع النسيان
حتى لا تزدحم في رؤوسنا المشاهد
وإلا ما الفائدة من وجود سلّة المحذوفات
في هاتفي المحمول؟!!
/
هذه رأسي أم بالونة ضخمة!!
ماذا لو ثقبتها بشوكة
أتراني سأنفجر يا “مونتغولفر”؟
/
أمعائي تحاول أن تقول شيئًا
أعرني قاموسًا سيد “جوجل”
لأفهم كل هذه الجلبة.
من أقام سوقًا في داخلي؟!!
حتى المطر ينزل بالتقسيط
طُرِدنا عن رحمتك يا إلهي
مع أنّ سعر الدولار مرتفعًا
والظروف مناسبة لموتٍ جماعي،
وحين نصير نفطًا
سيهبّ العالم للمساعدة،
والمنظمات الإنسانية كذلك
/
سأعود إلى حبيبتي إذن
لسببٍ بسيط
أنّ الطلاق رجعيٌ،
والحبيبة وعدتني بالتعويض…
مثل جرح….
ميمونة عامر
أنظر إلى وجهي في المرآة فلا أرى
غير قلبي
وجهي مازال مجهولًا
إنه عالق في مكان ما داخل جسد أمي
ربما،
هذا الذي تظهر عليه ملامح الحزن
جزء من وجه أمي
قلب أبي المعطوب
أحلام أخي وأختي الصغرى
ساقي العرجاء
تجرّ الجميع إلى الخارج
خارج الغرفة
بيتنا الغرفة الكبيرة
التي لا تجمعنا داخلها غيرَ
طاولة الطعام.
وحده قلبي يظل معلقًا أعلى ساقي
بينما تنهمر دموع الجميع
لكن ياقة قميصي تظل جافة
وقاسية مثل جرح.
كصياد عجوز يقتات حنين الحكايات
وضاح اليمن عبدالقادر
في لحظة ما
سترسمك المرايا
عاريًا منك…
منكسرًا كعصفور سنونو
أنهكته رياح عاصفة…
ستثقل كاهلك الغيمات
ولن تمطر…
تأملك جيدًا…
لا ابتسامة
ترسم وجه قلبك
وحدها المرايا انعكاسك
المتقن… بلا رتوش
ووحدك المصلوب
على جدران الوقت
غريبًا كسماء تلبس
وجه البحر الهائج
تتقاذفك لعنات الصيادين
ومراكبهم الخشبية…
ستقول لك العاصفة
سرًا…
عن قصائد الهايكو
وموسيقى الجاز
لا تخبر أحدًا…
لا توشوش في آذان
المرايا..
حتى لا يسمعك
البحر…
أمعن جيدًا
خلف الماء…
لاتخلف وعدك للنوارس
المنهكة…
ليست السماء متسعة
اليوم بما يكفي
لها ولك…
ولست على ما يرام
لتغازل الموجات
فتمنحك قلبها…
وبعض الدفء
وأشياء أخرى لا تعلمها
المرايا…
وحدك
تخرج من حزن المرايا
وحيدًا…
كصياد عجوز يقتات
حنين الحكايات
والأسفار البعيدة
ويهدي للبحر
حكايته الأخيرة..
ويعود محملًا بالخيبات
فترسمه المرايا
أنت…
عاريًا منك…
وتشهر في وجهك
الغياب….
بمناسبة الرقم 3
زين العابدين الضبيبي
كلما رأيت أحدهم في المنام
يموت بعد ثلاثة أيام أو ثلاثة أسابيع
أو ثلاثة أشهر
كلما كسبت ريالًا خسرت ثلاثة
والثالثة ليست ثابتة دائمًا
فهناك أرقامٌ أكثر فتكًا.
يا لها من حياةٍ مملة
كل أسبوع أعيشه نسخة لسابقه
الوجوه، الأماكن، الأحاديث نفسها
انقطاع البنزين والرصيد
في أشد الأماكن زحمةً
وأشد اللحظات حميميةً
أدمنت كل أنواع السجائر المهربة
ولم أتمكن من الهرب
ولازلت على قيد الحياة
ربما لأقول صباح الخير
تمامًا
كما أفعل الآن
حيث تقوم جفوني بالإحماء استعدادًا للنوم.
نسخة احتياطية منكِ..
بسام جوهر
أنا وحيدٌ هنا ولاشيء أكثر
أعدّ حسراتي
والدائنين على أبواب قلبي
يطرقونه بقوة السلاح
أنا هنا
بلا ريح تهدهد وجهي الأزرق
وتمسح خيباتي بكف باردة
أنا
الفارق الوحيد بين الآن والأمس والصرخات
أنا حزين ٌ
وبلا يد حبيبة تربت على خوفي
وتقنع هذا الفراغ بابتسامة
وحيدٌ كورقة
تَخَلَّت عن أعاليها
وتَعَلَّقَ مصيرها بين خريف باهت وشتاء أحمق
أهاتفني
فأبدو عاقلًا بما فيه الجنون
أحدثني
ولا جديد أقوله
سوى انتظار عقارب الساعة
كي تمنحني معجزة من أرقام
أصرخ في وجهي
ثم أقدم اعتذارًا عاجلًا لمرآتي
أطلب الله أن يمنحني
نسخة إحتياطية منكِ
أواسي بها عَينَيَّ اللَتَينِ تركتهما تستوطنان وجهكِ
أتحسس الجدران بأنامل يعقوب
باحثًا عن اعتذارٍ يليق بغضبتكِ
ألوح بكفي
باعثًا أثيرًا يوصل كل هذا الرجاء المؤبجد
أنا حزينٌ بما فيه كفاية أناي
أنا بالكاد
أتَذَكَّرُ اسمي
الذي أخفيته في موطن شفتيكِ
أتَذَكَّرُ صوتكِ
القادم من حنايا الباب
يبطش بمسامعي
أنا حزين ٌوذابل ٌ
بما يكفي
لأقع في براثن شبكة عنكبوت مهترئة.
دحرجة
ريان الشيباني
قد تستطيع أن توقف حافلة وأنت مفلس
لكنك لن تستطيع الترجل منها
قد تستطيع دخول المقهي
لكن لاشيء سيدفئ قلبك
قد تستطيع دحرجة حياتك كأسطوانة غاز
حين لاتسعك الشوارع، والجسور
يا لشقشقة الصفيح في قلب الفتى البنفسج
ويا للعذاب الذي بنى أعشاش سواده في كل بيت.
التنزُّه عاريًا
عبد الله السييلي
من يقولُ أن التنزه عاريًا ليس لذيذًا؟
الملكةُ فقط تقول: “لتحمي العرش من عبث الأطفال”!
إنّها المرَّة الأولى التي أصبحُ فيها “نبيًا للماضي”
هيَ المرَّةُ الأولى التي أصبحُ فيها “ساذجًا”، وأمارسُ الحبّ مع النجوم!
صديقي أيضًا خدعتهُ المغارة،
وأصبح منذ الأمسِ عاريًا للأبد
اتخذَ النكران مدفأة،
فدفعَ ملابسهُ ثمنًا ليمضي..
هوَ لا يموتُ إذ يريد،
ولا هوَ يموتُ حين لا يريد!
فأنا لم أعد مئذنة لتصلي لهُ،
وهو لم يعد نقيًا لأغسلهُ من الدنس..
فأنا يونسٌ آخر التقمه الحوت ونبذه الأبد!!
مقتطفات
ليلى إلهان
1
فيروز تغني.. ما أصعب أن يكون
الصباح لاهثاً وراءنا
القطة السوداء تبدأ مساءً بالرقص.
2
قلبها أحبك كثيرًا
لم يكن يدري أنك ترميه بقسوة
تحت رفاهية العالم ومظالم النساء.
3
العصفور النائم فوق الشجرة
يركض ليلًا حتى لا يغضب الفجر
بموسيقى صوتي.
4
لا يعلم ذاك الهدوء
أنهم يرقصون في سماء قلبي.
5
الطفل الذي يسكن البيت
الشتاء يزوره ويحلم بالدفء معه.
6
الكأس المليئة
بعد قليل سوف تفرغ شبعها
وتأتينا فارغة.
7
سرعان ما يختفي ذاك الشاب
لن أبحث عنه
إنه في يد امرأة عربيدة.
بطولة
أحمد عباس
أبطالُ السّينما
أبطالٌ حقيقيون
كل مرةٍ أشاهدهم فيها
لا يتغيّرونْ
حتّى الشّرير منهم
ألتمسُ لهُ الأعذار
أقدِّم له المبررات
لأنه أنا.
تسلل
بدرية محمد
أعلم أنك ميت الآن
أكثر من ذي قبل
لقد استنفدت كل مقومات الحب
لم يعد هناك طريقة
حديثة أو مبتكرة
حتى النص الأخير الذي
كتبته لي كان ممتلئًا
بهالاتٍ سوداء،
وكنت بداخله ساذجًا
تستنشق أدخنة غريبة.
المدينة نائمة الآن
وأنت تحاول التسلل إليّ
كاللصوص.
بلا شرفة
عبد السلام القيسي
عسى أن ألتقيك الليلة
سأكتب على وسادتي اسمك وأنام
ومابين رأسي أضع والحرف الأول مصيدة
فتقعين في الفخ عند ظهورك بالرؤيا
وأكون قد حصلت عليك بشكل جبان
فهي الطريقة التي أقوى عليها لإحضارك عنوة إذ لا مفر
لا مفر يا شعلتي من التهور حبًا.
**
هنا أمارس الموت
بيدين ملطختين بالأصدقاء
وبذاكرة تحفظ من الشعر سكينًا
ومن التاريخ مذبحة.
**
أشبه الأنقاض، وركام المنازل المندثرة
بضربة واحدة، ضربة لا أكثر، سقطت من أعلى
لأصبح هذا الانسان الذي يعيش بلا شرفة.
خمس أصابع
ونيس المنتصر
خمس أصابع كافية للحياة
تعزف عميقًا لحن الارتعاش
تتسع لأكثر من رعشة
كأرجوحة تدفع الأطفال إلى اللعب
كرياح تدفع الأوراق إلى الحفيف
تقطر عسلًا
وتدفع النحل إلى الطنين
تجعل من قصائدِنا أجنحة
تحلق بها في الأفق
وتطل على العالم
كسماء وحيدة
وحين تحط على الأرض
كربى وطن تملأه الذكرى.
حُجّةٌ للباليه
صابرين الحسني
لا تُحمِّل السطورَ عبءَ ضياعكَ
لا تنادني من الضفةِ الأخرى وترمِ حجةَ ابتعادكَ على النهرِ
لا ترسم وجهي على صخرةٍ وتقبِّلها بقسوةٍ وتتهم الطبيعةَ بعجزِكَ عن الردِ
لا تتطرق للباليه
وتزعم.. بكم خطوة يغدو صالحًا للرقصِ الأمرُ أكبرَ من رفعِ “الباليرينا” ساقها للسقفِ
حتى الأشياءِ الفارغةِ التي نسعى إليها الآن تحتاجُ لأكثرِ من نقرةٍ على أديمِ الحلبةِ وأقلِ من صوتِ ارتطامَ الوجعِ بالريحِ
ولا تقل إن العاصفةَ تعمدت قلعكَ من المرايا حين كانت صورتكَ على مصراعيها تجرحُ عينيّ
لا تنادِني حبيبتي فالأمرُ يتطلبُ رجلا لا يصابُ بالإزدواجيةِ إذا انشغلتُ عنه ببعضِ الشعرِ.
احتياج
رؤى الإرياني
أحتاجُ أحدهم ليستبدل الفراغ بحضوره
يسحبُني إلى عالمٍ جديد
بعيدًا عن كُل الزيف
عن المثاليات المُرهقة
يروي لي أفلامهُ المُفضلة
ويقتبسُ لي من الروايات القديمة
أحتاجه أن يُصغي
لرؤاي الغريبة
ولثرثرتي الطويلة
دون أن يتعجب
دون أن ألمحَ في وجههِ تعابير الملل
ثم يبتسمُ ببساطة ويفتح موضوعًا جديدًا
أحتاجُ منظار عينيه
لأشاهدَ به الدُنيا البعيدة….
أسألهُ كثيرًا
وأستفسرهُ كثيرًا
وأجادلهُ كثيرًا
ثم ينتهي حوارنا بعناقٍ طويل
وأنني: لن أموت وحيدة
أحتاجُ لأحد يعرفُ معنى السَهر الصامت،
معنى الحرف الوحيد الذي يُفرّق بين كلمة وكلمة
معنى أن يكونَ مع امرأة بتسع أصابع وقلم
أحتاجُه أن ينظر إليّ بزهو
وأن يجدني فاتنة، سواء كنتُ أرتدي النظارة في المطبخ أو على طاولة العشاء الفاخرة
أن يحكي لي عن المتاحف القديمة
وأن يفهم رموز الكلمات دون سؤال
وتلميحاتي الصغيرة دون شرح
أن يعرف معنى أن أفكر في فكاهاته أحيانًا قبل أن أضحك
ثم نضحك سويًا ويعدُني: بأني لن أموت وحيدة
أحتاجُ أحدهم لأُبرزَ لهُ مفاتن حُبي،
أُراودهُ عن وقته كُله
وأخطفُ تفكيره كُله
وأنثرُ حولهُ كلماتي وأمنياتي دون تعب
أن أحتوي قلبه
فيصير الكون مِلك يدي
أريدُ فقط
أن أجعله فخورًا
سعيدًا
مطمئن القلب
بأنه أيضًا لن يموت وحيدًا.
فاشل..
توفيق علي
منذ صغري
أرادني أبي أن أصبح شاعرًا
كان يمنحني الشعر ببحة صوته
وتدس أمي المجاز في الحليب
مرت الأيام وأنا أكبر
وهما بانتظار قصيدتي الأولى
وهاأنذا أفكر في طريقة لائقة
أخبرهم بها
أنني محض شاعر فاشل
وخيبة كبيرة!
حياةٌ باردة
حسين مقبل
ذهب في مهبّ الحب قلبي.
ذهبَ
تاركًا لاشيء
لاشيءٍ وراءه لي.
بَعدهُ أصبحت:
خاليًا
(كبلايموث)،
“كأدغالٍ شُطآنية تنتحبُ بهدوء”
وحيدًا كقبيلةٍ برازيلية معزولة عن العالم،
شاغرًا
كأي مقعدٍ في حديقةٍ مهجورة..
….
باردة حياتي
برودة أطراف خيالي التائهة
المتأرجحة في مكانٍ ما مني.
في طقوسي المتضخمة الصردة هذه
أتوق لرؤيتي حُلمًا دافئًا
بقلبٍ يتمشى ولا يبتعد،
لا يفكر بجغرافيةٍ أخرى
يحط بها ثُقل طفولته
وشيخوخة مشاكسته.
فاتحة الليل
أمين الملحاني
في السطر الأول من فاتحة الليل
خلع “كيوبيد” رداء العتمة عن عينيه،
تنصل عن دعوته بوحدانية الحب،
آمن ألّا استنساخ لـ “الماموث” ،
وألّا عين للتوهان..
في السطر الثاني من فاتحة الليل
مات كيوبيد!،
جوليت تقص ظفائرها لتحررنا من تلك الصلوات اللاتي نرفعها استجداءً للشمس،
الكل هنا يتأبط خوف تحقق وعد كيوبيد المشؤوم، كشف السر المدفون لرغبتنا حبات القمح.
في السطر الثالث من فاتحة الليل،
حشد لنساء مدينتنا يتقاسمن الخصلات،
يلهجن بتعويذتهن بملء الصرخة
“كيوبيد” لا يموت!
اللعنة على جوليت!
في السطر الرابع من فاتحة الليل،
زعيم الحارة يخطب في جمع للمكسورين،
الموت للتفاحة حين تناول آدمنا منها،
و الموت لشجرتها الملعونة حين ينام “نيوتن” تحت ظلالها،
الموت لها!
الموت لها!
في السطر الخامس من فاتحة الليل،
تناقش حواء العلم رسالتها الموسومة “سر التفاحة جاذبية و سقوط”،
تمجد فيها مذاق التفاح،
تصف تدلي ثمرتها،
كل الجمهور تحور عن آدميته كف وفم ولسان.
في السطر السادس من فاتحة الليل
لم أفقه من كل المكتوب سوى كلمة “آي فون”،
وإشارة كاتبه إلى تفسيرٍ في الهامش،
لا سطر آخر،
لا هامش،
“جزء من الليل مفقود”.
لاشيء يلمعُ في المدينة!
أميرة زيدان
للحظةٍ واحدة
على الأقل..
يجب أن تغلق الباب في وجه المتاهة الحائرة..
وأن تقضم يد الحزن التي تحاول بمعولها التلصص والدخول عنوةً.
وللحظةٍ واحدة
غالباً،
يجب أن تشعر بساعات السعادة
التي
خارج
“توهانك”.
لا شيء يلمعُ بصدقٍ في عنقِ المدينة
وعند مدخل السحابة الحائرة.
يا ناي الوجع الهزيل بأي لغةٍ تدور؟
بأي كفٍّ تُلوِّح؟
في سجل الحوادث
محكومٌ عليك بجرمٍ مشهود
وسلّتك مليئة بقهقاتٍ نتنة!
لا بأس..
الآن سأواسي نفسي
أستنشق رائحة المطر
الرطوبة تبلل مفاصل الحرب
تسقط بنادق الغدر من عيون الأوطان.
كم أشعر بالنسيم يحلق حولي
وأنا أنشر على أصابعك نغمة السلام؟
مازلت أهمُّ بقطف الكلمات التي على صفحة ذاكرتك
وأرميها صافية اللبِّ.
ما تزال تمطر في الخارج
قررت أن أدخل من باب الوردة الذي رسمته أمي أمامك
لكنى أرى الشجرة وحيدة
تصنع منها النساء توابيتَ عِشقٍ لأزواجٍ قُتِلوا..
وحصّّالة يُتمٍ لأولادٍ لا يعرفون الفجيعة
وسيارة إسعافٍ لوطنٍ
ذبحته سكّين الوجع.
انطفاء
مروى حمود
مُنطفئةٌ أنا ولاشيء يُنيرني!
أتبعثرُ بين أطلال اللاحياةِ أبحث عن اللاشيء..
اللاشيء الذي يُرهقني حتى اللحظة، أُفتش عنه بين أكوام الجياع، ومن عمقِ الفقراء، أبحث عنه بين خيام النازحين من لا أوطان لهم ولا هوية..
أبحث عن آثار الخراب، والدماء ذات حرب؛ لعلي أرى انعكاس وجهي على أطلالها.
أبحث عن رأسي المفصول من جسديِ بذات انفجار، عن يدي المبتورة تحت أنقاض الحلم.
أبحث عن عينيَّ المغمضتين في الظلام.
وعن قلبي المدفون بلا نبضات، وعن روحي المخطوفة من بين الياسمين.
أبحث عن ظلي المفقود منذ غياب الشمس!
“ريمونتادا”
بكر علوان
ريمونتادا الحرب
صدقوني لا أعرف هذا المصطلح إطلاقًا
أعرفه في رياضة كرة القدم فقط
هجمة مرتدة
وسرعة
وريمونتادا
ثم في العارضة
ما علاقتها بالحرب
لا أدري
لا أعلم
فربما تكون الحرب مجرد هجمة مرتدة لأعمالنا
ونحن العارضة
فالمرمى لم يعد كفيلًا بتقبل المزيد من الأهداف.
الانتقام
نجود القاضي
مشيتُ في جنازةِ أفعى سامة،
شاركتُ في دفنِ عنكبوت فشل في محاولةٍ للانتحارِ فماتَ
قهرًا،
أنقذتُ ساعةَ حائط من الصمم فلدغني عقربها الذي أوقفته،
ضمّدتُ جراحَ قطرة ماءٍ جَرحَتها قنينةٌ بفمٍ حادّ،
حفرتُ حفرةً عميقةً في الهواء وخبأتُ كل مشاعري السيئة،
وعندما صفعني الحبُّ أدرتُ لهُ خدّيَ الآخر،
ومازال بإمكاني صنعُ المزيدِ من المفاجآتِ لأعدائي… فقط لو
أن هذا الأجل يتوقف عن هرشِ جسدِ الوقت باستفزاز…..
* من نص طويل//
لست منهم
علي الفهد
يا اللهُ: أعرفُ أنَّ هُناكَ سهيل واحد ومجرات مِن النُّجوم
أنَّ هُناك ينابيع باردة ومحيطات زاعفة.
أنّ هُناك ملايين مِن البشر
يجيئونَ كالغَنَمِ ويُباعونَ كالخَرَز
يقولونَ الأشياءَ ذاتَها
ويَفْعلُونَ الأشياءَ ذاتَها
يجيئونَ كالرِّمالِ ويَعُودون للرِّمال
يا اللهُ: لستُ ِمنْهُم،
ولَكِن كيفَ أُثْبتُ ذلك.
شجن
عبد الله كمال
في هذا الليلِ لا طيرَ يحملُ عنكَ جناحَ الشجنِ
وحدهُ خفاشٌ أخرقٌ أمامَ النافذة ينفذ عروضاً بهلوانية
ماذا لو أن شخوصَ الحكاياتِ التي استعمرتْ قلبكَ
تسربوا من بين أصابعكَ وجعًا تلو الآخر..
ماذا لو أن المرأةَ التي ادَّعتْ أنك تحبها تكومتْ في سريركَ،
دون أن تبوح للعتمةِ بشيءٍ مِمَا يدور في رأسها!
ماذا لو أن المرأةَ التي أحببتها دعتكَ للرقص!
عقيم هذا الليل وعاقر سماؤهُ..
لولا أن ثمة نجمة في أقاصي قلبكَ،
لا تزالُ تومض.
بحذاءٍ واحدة
واثق السروري
لا أعرف كيف ترك الغروب جيوبنا بلا وظيفة،
لا أعرف كيف ولد الوقت بحذاء واحدة،
لا أعرف لماذا رعف الهواء أشخاصًا فارغين؟
أتذكر -فقط- طفل يقول:
لا تشترِ التفاؤل من غيرنا،
فالمدينة مثل الحب؛
ضيقة على التلاويح
تصل إلينا بنفقة أكبر…
أصنع سفينة من ضحكتك
فيصل فهد المخلافي
أفكر بارتكاب خطيئة
كأن أسحب شعرك من أسفل قلبي
وأفترش به أجنحة الرصيف.
أن أمزق اسمك وأطعمه للطيور
أو أن أقتل الموسيقى بصوتك…
أفكر أن أحبك
بطرقٍ جديدة لم تتعلمها الفراشات في الحدائق
أو أن أغرق العالم في عينيك دفعة واحدة
وأصنع سفينة من ضحكتك..
أن أحبك كآخر امرأة في الأرض
أحفر لك قبرًا أعلى السطح وأجعل فستانك غرفتي.
أفكر أن أنتزع
من حلقك الورود
وأظفر السماء بمشيتك.
المطر يُذكِّرني بك
مليحة الأسعدي
المطر
يذكرني بك
يذكرني بتطويقة خصري التي جعلتني أنثــى
لأول مرة.
النفق المظلم
يبدد وحشة الجنون الساخر
و نحن نتلقف همس المارة بيدينا الملتحمتين
بعضهم يحدق فينا بشراهة نسر
ينقضّ على فريسته
و البعض الآخر
يرمقنا بابتسامةٍ ماكرة
تحمل القليييييييييييل من الود
القليل من الود يكفي
لتبديد عتمة النفق.
العتمة ذاكرة أحزان تعرفها المدينة
النفق يتلاشى
و أنا وأنت
نغدو رقصة الوطن الذبيح!
مقاطع من “محاور عرجاء لدورانِ الرائحة”
زياد القحم
الحكايةُ -باختصارٍ- أنني عاشقٌ مميزٌ بنجمةٍ ملونة، مثل رسائل الإيميل المهمة، وبطعنةٍ ديبلوماسية، وبهذا النزفِ الفائقِ، الذي لم ينقطعْ منذ ابتسامة فاتنتي البعيدة كمجرةٍ لن تصلها المركبات الفضائية.. مطلقًا.
***
التنظيرُ بضاعةٌ تروجُ كثيرًا في البلدان التي تتجهز لحروبٍ لا مبرر للتفكير فيها.
***
القناعةُ إذا اكتملت أغنتك عن الانتماء لجماعةٍ بيضاء، احتوت كل سواد العالم.
الغنى رائحة وردة يمكن أن تحصل عليها ببساطة، وتتوحد بها بهدوء.
الرائحة ستستمر في دورانها، لا تفكر في إخبارها بأن محور الدوران أعرج.
الاستمرارية ستعني أنك مغرمٌ بحق.
سبع كوارث
أمل المسعودي
كيوم ظلي
أحتفظ بشمعتين
وزجاجة مفتوحة
لم يملئها شيئا مسبقًا
غير الضوء،،،
في الكارثة الأولى
كنت دعاء
تحاشى النظر إلى السماء
فسقطت عليه الأبواب
ولم تفتح
في الكارثة الثانية
كتمت الأسرار
وانطلقت مسرعة
قبل أن تلحق بي
امرأة مصابة بالنواح
وتبخرت
في الكارثة الثالثة
لم أكن أعلم بوجودي
في الكارثة الرابعة
شهقت
في الكارثة الخامسة
جميعهم جلسوا إلا أنا
في الكارثة السادسة
عضة كلب
وحمامة مسعورة
في الكارثة السابعة
رأيت كل شيء إلا الموت….
مساحة
محمد المهدِّي
المسافةُ الفاصلة
بين تاريخ ميلاد الخردلة
وتاريخ وفاة الرغيف
ليست أكثر من حُمَّى
تضجُّ بشعبٍ يتثاءب
في وجه أنظمةٍ تكُحُّ.
الآن -يا جدَّتي- هاتي
المفاتيح الاحتياطية لمخازن السيوف
التي اشتراها جدِّي من الهُنُود الحُمر،
وأنت -يا ولدي- هات حزمة المقابر
التي خبَّأها الغساسنة في جيبي
حين علَّقت قميصي
على جدار الكعبة
كقصيدةٍ جاهليَّة،
وأنتِ -يا امرأتي-
هاتي دلوًا من الماء
لأغتسلَ من الجنابة
قبل الخروج من الاسلام..
لم أكن مُذنبًا حين خرجت عاريًا؛
لأسألَ المُفتي: كيف يستطيع المرء
أن يستر عورة الكرة الأرضية
بورقة نقدية مزيفة أو
بكسرة بُكاءٍ جاف!..
لم يُفِدْني بشيء
لأنه يجهل تمامًا
أن العواصم العربية
تمارسُ السحاق السياسيِّ
منذ آلاف السنين والحطب..
لا يهمني حطام الأزمنة، ولاشيء
يشغلني على سطح هذا الكوكب الجبان..
فقط: كم مساحة التثاؤب الذي يفصلُ
بين تاريخ ميلاد الخردلة
وتاريخ وفاة الرغيف؟.
تلويحتان
أحلام الكثيري
غيمة:
أيتها الغيمة المتمردة،
لِمَ تحدقين فِيّ كثيرًا،
وتتساقطين على العُشاقِ من حولي!
***
أنثى:
الأنثى،
بهو الأبدية،
خاصرةُ الجسد،
رغبة جامحة،
شكّلها الله كونًا،
بسكونٍ تُراقصُ العدم!
هاوية….
نوال القليسي
عارية الملامح
بمزاج قهوة
غارقة في الوهم
تشذب الموت
وتلقي بأسراب الطيور إلى الهاوية.
هايكو
سكينة شجاع الدين
على شجرة الزينة
أفك سجنها
الأغصان
على رصيف الذكرى
تستقطب الحزن
فراشات
الزهور الذابلة
لاتطيق الحياة
في الحديقة
فراشات
بين سبات وغيم
يبعثني من جديد
صدى صوتك
على الملأ
ترحل بلا عودة
أوراق الأشجار
في الخريف
في الخريف
يذبل نبض القلب
تضامنًا
يقول عاشق.
أخطاء..
علي جعبور
أنا كومة أخطاء جاهزة للتفاقم بصورة غريبة،
أخطئ دائما وأعرف أنني أخطأت وأندم،
لدي خزانة واسعة أكدس فيها ندمي ولا تمتلئ.
ذات مرة تسللت إلى غابة، أردت أن أصطاد عصفورا فاصطدت شجرة، صنعت من أحد أغصانها نايا لأحزاني و من جذعها الممدد بجلال فوق العشب، قاربا ومجدافين.
كان البحر قد دعاني لوليمة يقيمها منتصف الموج، وحين ذهبت التقمني حوت أزرق وقدمني لصغاره الجوعى.. لكنهم، عوض أن يلتهمونني بشراهة، طلبوا مني الذهاب إلى مدينة بعيدة لأحضر لهم ألعابا.
أنا خطأ قديم بلا مخلص، كان خطأي الأول أنني ولدت إنسانا، ولم أكن عصفورا أو شجرة أو سمكة.
شذرات
عبد الرحمن القشائي
لو أنّ هذا الشارع
غزلته يد امرأة
لكانَ أدفأ!
**
واحدٌ فقط
يخترق البويضة،
ثم يسقطُ
في خانةِ الأسف!
**
كُل شيءٍ يخرجُ
من فمها المزمومِ
إلى الشهوة…
ريق النعناع
والمكائدِ والكلام!
**
أُمّسِدُ شعركِ
من الأعلى للأسفل
أبحثُ عن غريقٍ يلوح للأعلى
عن ناجٍ وحيد
في هذا الكم المهيب
من الليل…..
أبحث عني!
حُرّاس الفضاء الوهمي
أحمد عفيف النجار
هذا ما نفعله كل يوم؛
نحنُ قاطنيّ الغابات الصناعية،
وسُكَّان أدغال القرن العشرين.
أولًا: في الصباحِ الباكر
لا نستيقظُ لأننا لم ننم البارحة، مازلنا سهارى منذُ أن علَّم الله آدم الأسماء كلها؛ نحرسُ الفضاء الوهمي
ونصلي -طول الوقت والنت- لآلهة الفيسبوك.
ثمَّ وبكسَل دُبَّ الباندا نقومُ بإعداد وجبة حُزنٍ غنيَّة بفيتامينات الأسى وبروتينات السُهاد.
وكما يفعل حطَّابوا غابة الأمازون، نحملُ فؤوس خيباتنا القاتلة ونركضُ بأقصى المآسي حتَّى جذع شجرة الأمنيات لنهوي عليها…
كُلّ يومٍ نكررُ هذا العمل الشَّاق
نضرب جذوع آمالنا العملاقة
حتى ننتزعها من جذورِها
ونسقطُ بعدها أرضًا
مضرَّجينَ
بالفشل والدموع…
شرفة
كوثر الذبحاني
مع هدئة الليل
وإطراقة شجر النخيل
أتنفس البحر
وأكتب الشجن المقفى
أبذر قصائدي في كفيك
فتنجب وردًا
وأزاهير غياب.
مراشقة
اسماعيل البدوي
كم تبلغين من الحب؟
يوما أو بعض يوم….
كم تبلغين من العمر؟
ألف عام إلا شهر…
كم تبلغين من العطر؟
بستان زهر وألف قصيدة نثر….
حزن
سيف الدين قطز المعافري
لست حزينًا يا “سوسن”
فقط،
ولدت
في
زمن
الحرب،
فكانت أمي ترضعني دموعها!
يحدث أحيانًا
محمود مشرح
يحدث أحيانا
أن نهرب إلى اللاشيء
أن ننقل الزمن
إلى فوهة ثائر
أن يقطفك رجل غيري
ويحدث أحيانا
أن نعبر الحدود
وندفن الشتاء
يحدث أحيانا
أن نشعل الربيع
أن نجلد البعيد…..
يأس
عبد الواحد الزيدي
بحبال اليأس
أسحب أملًا منتهية صلاحيته
في دولابٍ خشبي ضخم
وحين أتعب….
أركله بقدميّ
أو أضربه بعصا حديدية
ثم أراقصه أخيرًا
لكي لا يسقط أحدنا
عند هذه الحافة!
كصورةٍ بلا برواز
أحلام الدميني
كالغصة في الحنجرة ترفض الإفصاح
كصورة بلا برواز سقطت
كإحساس غريق بفقد الحياة
كسوء ظن يشتعل ولا ينطفئ
كارتداء الصمت في الزحام
كبوح في الظلام
كشعور بانتظار حكم القاضي قبل أن يطرق بالمطرقة
كقلب أم لا ينام
كعاشقة تنتظر بلهفة من حبيبها إتصالا
كطفلة كسر لعبتها الخونة
كحقيقة ماتت خنقًا قبل أن تُقال
كقُبلة طائشة هزت جسد امرأة
كرسالة سقطت من فم حمامة
كلها على حافة التأمل
تسأل:
متى نسمع موجزًا لأنباء السلامة؟
أحلام
صدام فاضل
الليلة…
يبدأ العد الهزائمي
لمليون نبضة تحاول الانتصار
من يفتح علبة هذا القلب؟
يشهد أزلية الصراع
بين الحب والباطل…
يرى كيف تنهار الرغبات من ريعانها،
وتسقط من بروجها الأماني…
وتلك الأحلام التي ألفتها ليلا
لم تعد ترى حتى في وضح الوطن.
عناق
مبارك الباشا
العناق..
كي نُشفى من الحنين..
كي نعود إلينا من جديد..
كي نضع حدًا للانهيارات التي تجتاحنا دونما هوادة..
كي لا نغرق أكثر..
العناق..
لهفة الروح..
ملاذ الجسد..
شغف النفس للسرمدية..
العناق..
شوقٌ إضافي للشوق ذاته، وجديرة بالحب هي أنثى تجيده..
رأس ثقيل
صدام كعبابي
رأسي ثقيلٌ
يدايَ لا تقويان على انتزاعهِ
قدمايَ لا تقويان على الركضَ بهِ
رأسي غارقٌ
وقلبي يلهثُ،
يرنو بخطواتٍ متعثرةٍ
ولاشيءَ سوى السرابِ.
رأسي ثقيلٌ
كلما حاولت أن أفرغَهُ
تشقّقت جدرانُهُ
وكلما عاودت ترميمَ ثقبٍ
تفتّقَ آخر….
رغبة…
أيمن بن عميران
حتى هذة اللحظة…………
تدفعني رغبة شديدة في الانتحار بالسم القابع في عينيكِ
أو الموت غرقًا في محيط ثغركِ.
نفاد
عبد الواحد عمران
الحياة كعادتها راكدة
وأنا مثلها
قيد أنملة لا أفكر
أوسع من جسدي لا أرى
كاهلي لا أطيق
قدماي أقل من المشي
والموت ينتظر الخطوة الأخيرة
أول الوقت نافذتي
وأنا واقف أول الوقت
والساعة الآن ثانية نفدت قبل
أن أمسك بي.
سيئةٌ للغاية…
لمياء الشرعبي
أجل سيئة للغاية!
لقد نفضتُ كل شرارة غاضبة
في أطراف الوداع الأخير
بكلِ شفافية أخبرك أنني أجيد
الرحيل،
لكني لا أجيد النسيان!
سأغادرك بكفن الحُب الأبيض
إلى مقابر صمتي،
فالحياة معك موت لا يستحق
الكلام،
اِحترم موتي!
وادفن أشلائي المتبقية معك:
عينيّ،
حاجبيّ،
جسدي،
شعري،
وفمي الذي لطالما أقسمتَ
بأنه فُستق مقشر،
والقصائد الغاضبة التِّي
كتبتها لك!
…………….
بلِّغ اِعتذراي
للحقولِ التَّي وعدتُها
بجلسةٍ جميلة برفقتك،
وللصباح الذي أخبرته أنني
سألازمه حين أكون بجانبك!
* من نص طويل//
عمود إنارة في شارع مهجور
أسامة المخلافي
ليلة باردة،
وطقس حزين يشبهني،
وحدة بائسة،
وقلب مرتجف،
أنين خافت،
شتات فكر،
وضياع كلمات،
هروب أحرف،
نبض مرتبك
ولحظات عابرة بوتين القلب
تشبهني.. مفاوضات الأحزاب المتنازعة على كرسي النفاق من أجل إحلال السلام
عمود الإنارة في شارع مهجور
يشبهني أيضا……
* من نص طويل//
جنون
زكريا الغندري
بشراهةٍ مُغرية
أقبِّلُها وأعصر شفتيها
خمرًا..
أمضغهما (كقطعةِ سُكّر انفطرت
كبقيةِ الشبهات)
أتركها مبللة باللوعة
وأنا الصريع حد التخمة
لا أملك مثقال ذرة
من خجل
بين تيه اللحظة الغارقة بالجنون…..
خدعة
سليم المسجد
خدعتني الفطرة..
فرأيت النعجة غيمة،
والعوسج زنابق،
واللاإنسان إنسان
في لحظةٍ بُترتْ عقاربها الطفولية،
فصرت خارج نطاق دوران التمويه العالمي
رسالة من البرزخ..
إيمان خالد
مرحبًا.. اسمي إيمان
ميتة منذ ثلاثةِ أشهر
برصاصةٍ طائشةٍ
في الساعة الخامسة والنصف
مساءً،
وأنا عائدة من منزل جدتي
كنت أحملُ في حقيبتي
بعض الشوكولا
لأولاد أختي الصغار
لكنها للأسف لم تصل إليهم.
دائرة
بلال قايد
تصحو صباح الجمعة
والمدينة في موتٍ سريري
المآذن تكاثرت في عتمة الخديعة
دعايات تلهث خلفك كتسونامي، تقتحمك
الأناشيد، الزوامل تتقاسم خلاياك الصامتة
الأرواح المختبئة خلف إسمنت الجُبن
تغادر باحثةً عن ملاذ.
فلا تبالي بكل هذا الفراغ داخلك
وجثث الكلام الساقطة عليك.
تبحث عن قيمة أرز وبطاطس وطحين
وقليل من الموسيقى والاقتباسات
فلا تجد إلا الكثير من الهراء.
ودخان سيجارة يلوذ بالخلاص
يرحل عنك حتى ظِلك.
عند باب المدينة
جمال عبد الناصر سروري
لكأني عانقتُ اللا نهاية
عند باب المدينة
حين رمقتُ شبق ذاكَ القمر البعيد..
لكأني شاطئ الهذيان وقِبلة الغرام الطويل
لكأني أحبها قبل ميلاد المجرات وقبل مهرجان الشِعر..
هي: زهرة التوليب،
ونرجس القصيدة،
ضباب الهيام، وتل السحر،
ناي النهر، وأغنية الفجر.
إنها سر البدايات العنيدة في نهايات ارتحالي،
الطريق الذي أخبئ فيهِ تمتماتي وهلوسات انكساري القريب..
لكأني هي؛ حينما أردتُها أن تكون..
وحينما كانت أنا.
مقطعان
آذار علي
(1)
أقفُ على حافةِ القصيدةِ كقافيةٍ ساكنة..
أراقبُ الكونَ الذي يبدو صغيرًا جدًّا أمامَ بيتٍ واحد.
بيتٌ واحدٌ يكفي لصنعِ قصيدة،
وقصيدةٌ واحدةٌ تكفي لأحبَّك،
والحبُّ أكبرُ من الكون.
(2)
أعرفُ شاعرًا
ماتَ وهوَ بانتظارِ وَحْيِ الشِّعر.
ماتَ مؤمنًا بأنَّهُ نبيٌ، وبأنَّ الشِّعرَ نبوَّة.
حتى وهوَ يلفظُ أنفاسهُ الأخيرة
شعرَ بروحه تتجاوزُ حَنجَرتهُ؛
فأغمضَ عينيهِ وابتسمَ
مُعتقدًًّا أنَّها قصيدة!
هكذا كانت تسير الأمور
محمد كمال
كنا نقوم بحشو الجوارب بقطع القماش البالية،
صانعين منها كرة تتمحور فيها وحولها كل اهتماماتنا آنذاك.
كنا نلعب و كانت هناك قوانين طبيعية للعب هناك فتيان يحاولون افساد اللعبة لكنهم يتراجعوا لمعرفتهم أن الأغلبية
لن تسمح لأحد بإفساد لعبتهم، فالجميع يمرر الكرة ويجري ، الماهر ينال النصيب الأكبر
من المتعة لما بذله من الجهد،
ليس على حساب غيره من اللاعبين،
هكذا كانت تسير الأمور،
و الجميع راضٍ بنصيبه من التسلية….
نمت لنا لحى و شوارب، و اقتنينا أدوات حلاقة ومزيل للعرق وتلك الأشياء التي يحرص
الصغار على اقتنائها ليبدوا كبارا.
الآن أصبحنا كبارا و لم نعد بحاجة لحرصنا على إبراز ذلك.
لكنا تغيرنا يا صاحبي،
آااااخ تغيرنا كثيرا.
فهاهم يفسدون حياتنا برمتها،
ولم يضعوا اعتبارا للأغلبية،
الأغلبية يا صاحبي أصبحوا هم اللعبة
هم الجورب المحشو بالأسمال الذي تركله
تلك القلة اللعينة.
أنا خائب حقاً!
سلمان القباتلي
حسنا عزيزتي
هذه ليست رسالة…
هذه نهدة ملتهبة يقتلعها كسير من أعماق قلبه …
كسير مرغم على السقوط
يهوي في كل مرة يستجمع قواه…
وتتشبث به الأرض كلما استحث خطاه للفرار من الموت أو المقبرة…
عفوا عزيزتي
أنا لست كاتباً
حتى تنشغلي بالمجاز كثيرا
أنا رجل متعب حقا تستر بالكتابة ليذرف دمعه بلا اكتراث متلبساً الأدب والمجاز…
أنا رجل متعب حقا…
بداخله جرح ألف شهيد ينزف!
وحداد ألف مدينة تبكي!
وضياع ألف شاعر يتخبط !
فكيف لمتعب مثلي أن يجمع كل هذا الشتات بقصيدة!
ما كان ينبغي أن نكون هنا
وفاء كريم
ما كان ينبغي أن نكون هنا!
ترمدنا الخيبات
وتئدنا الذكريات
كان ينبغي أن نهاجر كما تهاجرنا اللحظات
ونبقى أثرا منحوتا على وجه الزمن..
كلما حاولنا الوقوف
تصيدنا سهام الأورام
لنمطر خيبات وألم
تتفجر الأرض منهما دماءً راكدة
وتنسج منهما ثيابا لبؤس الحياة…
نزق..
نجاة شمسان
في هذا المساء
المتدلي على أهدابي
أرى زنبقــةً معلقـةً
بأقراط السماء
يلتهب البحر
في عينيها
أرى عينين زرقاوين
تهزّ ُأجنحة الليل
برذاذ قصائدنا
أرى الرياح النزقة
تسير على أطراف أصابعها!!
لتعبرنا رويدا
رويدا
أرى قمرًا
يستعير لون البرتقال
لينمو في عشب عينيك
ويتساقط بغزارة
على ذاكرة الماء
لتبدأ أصابعنا بالارتجاف
وننمو معًا
بغزارة.
رسالة بلا عنوان
عارف بن منصور
ضائع أنا أبحث عن ذاتي فلا أجد شيئا
ضائع بين الحلم والواقع والخيال
والتأمل والانتظار المستحيل
أفتش بين رسائلك لعلي أجد نفسي مرميًا هناك
كعلبة فارغة
على قارعة السطر
أتأمل الحروف بعين متسعة إن كنت نسيًا منسيًا
أو كنت حطبًا بعد يباس ألقيت في نار الهشيم
أو رمادًا تنثره أناملك في الهوى
فيأخذه الريح الى أبعد مدى
تعالي أيتها الرياح المرسلة
احملي قلبًا يقبل القسمة على صفر
لا تخذله المعادلة على كف
قد مللت من هذه الحياة التي تفصل بيننا
بيني وبينك بضعة سنتيمترات
باب.. وجدار
سور.. وحدود
وحاجز تفتيش
وثكنة جنود ومنفذ مغلق
ولعنات بُعدٍ تُمزقنا.
غربة
هشام الشماري
في ظل الغربة
المتعرج
أجلس
على مقعد متهالك
وبجواري ملامحي تسندني
أتامل الخراب في مدن الروح
وحده
الفراغ يؤطرني كندفة ثلج
في يد طفل
والكلمات
تعجز عن رتق الثقوب
في جسد البوح
يسحبني الحزن إلى مركب مجهول
فيتخذني الناي وطنًا له
يصنعني موالًا
يراقص به النيل بإيقاع منسجم
علّه يصنع فرحًا
لأطفال الحنين في داخلي
وينتشلني من نفسي
الغارقه
في سراديب السراب.
نصوص
منى نجيب
1
خطيئتي الكبرى
لَمَعَاني في الظلام.
2
أين المساءُ الآن ؟
ليربتَ على كتفك
كزميلِ دراسةٍ
وشريكِ سكن.
3
يا مسائي الغريب..
لِمَ لا أكونُ اثنتين
الأولى تصنعُ تفاصيلَكَ ،
والثانية تذهبُ إلى النوم ؟
4
أيُّها الكونُ :
لا تحزنْ..
أنتَ في يدي.
5
لم أشعرْ يومًا بالمواطَنة..
كبرتُ وأنا أعي أنّ الغربةَ وطنٌ وحيد.
أسمّي البلادَ كي يفهمَني المارّة ،
لا أحد يسمعني..
غريبةٌ لا يتحدّثُ معها سوى المصابين بالملل.
6
على قلقٍ أداري الكؤوسَ وهي تتصافقُ في الهواء.
لازدحامِ الوقتِ ساعةٌ فارغةٌ من العقارب ،
وللأركانِ العناكب ،
ولي الوحدةُ الطاغية ،
وكتابٌ لا ينتهي.
7
حين يحضرُ الخوفُ كحديقةٍ كاملة
أنفقُ ما تبقّى من سرابٍ في أفقِ رؤياي ،
وأركلُ الرصيف.
8
حين أكتشفُ أني العاريةُ الوحيدةُ
أفكُّ أزرارَ الليل..
فيدّعي الزهدَ بي.
يرتدي امرأةً سوايَ ، ويمضي..
9
أنفقتُ وقتي أربي في الأصدقاءِ أجنحتَهم..
دهسوا أكتافي..
وحلّقوا.
10
جثثٌ مرميّةٌ في قلبي بعشوائية.
لا أجيدُ التحنيطَ ،
وأكرهُ الضباع.
11
أن تعود لأحزانك المجففةِ
هي فظاظةٌ منك تُعاملُ بها يومك..
لكنَّ تلك العودةَ هي السبيلُ الوحيدُ
للاعترافِ بدمعتكَ قبلَ أنْ تموت.
12
أسحبُ قدمًا من آخرِ الليلِ إلى شرفتي المكسورة.
أختبئ مقيدةً أحلامي إلى الجدارِ خلفي ،
أتركُ وجهي لوحشةِ الغياب ،
وعواءُ ذئبٍ ينحرُ سكينتي المزيّفة.
13
متى يحينُ وقتُ الأمان
سأهوي وحدي..
ثقيلةً كحجر ،
خفيفةً كريشةٍ ضخمةٍ
لطائرٍ اسمه : ضحكة العالم.
14
أعافُ كلَّ ما هو حميم..
يدي التي تمسّدُ شعري
تخرجُ من بينهِ تمثالًا بلا روح.
أفهمُ الوجعَ كظلام …
كأنَّ الحياةَ على ضفّةٍ لا وردَ فيها.
15
روحي المثقوبةُ تنتظرُ وردَ آخرِ الأوجاع.
وقتًا يذوبُ تحتي بلا شمس،
عداواتٍ تلتصقُ بقدمي كجورب.
16
أنا ثرثارةٌ..
لكنّي رفيقةٌ ممتعةٌ في زحمةِ السير..
لستُ سيئةً ،
لكنّي أبكي كثيرًا لأنام.
17
جثتي الهامدةُ
وليمتُكُمْ ، أيُّها الجياع.