نصوص

حوار ما بعد منتصف العمر..

علي أزحاف
الدقيقة ما قبل الأخيرة
من منتصف ليل طويل
بعد منتصف العمر ،
قالت لي عاهرة الحانة ،
وانا مثل طفل يتيم
ألوذ الى كأسها من وحدتي ،
إن الحياة عاهرة تفتح أفخاذها
لكل تافه عروشه خاوية ،
وأنها تشرع الحزن في وجه
من اتعبتهم الوحدة مثلنا،
كما مدافع هاون تدمر مدائنه..
وقالت أن العالم ميدان حرب
الخاسرون فيه من تسلح بالحب
وكلام الروايات والشعراء ،
وأن المنتصرين رعاع أنيابهم
أطول من يد القدر تعض الأكتاف
وتمتص دماء العصافير والفقراء ..
ودون إذن من ملكوت الوحي
يعلنون أنفسهم رسل وأنبياء…
العاهرة التي صادفني بها الليل
على حافة أولمبياد الكنتوار …
لا تعرف فلسفة سقراط ولا أفلاطون
وتجهل ما قاله نيتشه في جينالوجيا الأخلاق ..
لكنها أبيقورية عن فطرة وسليقة.
حدثتني بلسان هنري ميللر وبوكوفسكي..
عن الليل ومساربه الشائكة قالت :
ولدت في قرية تشبه الجنة
وانتهيت في مدينة تشبه الجحيم ..
عاشرت من شرب من فم البؤس،
وعاشرت من يعيث فسادا في النعيم،
وكانت تمج الكلمات مع دخان سيجارتها ،
كما مدخنة قطار يجهل وجهته،
وكنت أود أن أحدثها عن جحيم دانتي
ورسالة الغفران والعبور الأبدي
من الحياة الى الموت
لكن لغتها العارية من معاطف الثقافة الثقيلة،
جعلتني أصمت واستمع لحكاياتها…
وكانت تشعل سيجارة بسيجارة
وتنفث أحلامها في وجهي
وتسألني للمرة ما بعد الألف،
ما معنى أن نحيا وأن نموت؟
ولما قسمت الأرزاق بدون عدل ؟
وما الفرق أن تكون وحيدا
أو أن تكون في قطيع يعمق وحدتك؟
ولما كل هذه الحروب التي تذبح العالم؟
وكنت ارشف من كأسي عاجز مثل
سفينة تائهة في يم هائج
تفتش عن شاطيء النجاة،
أتأمل الحزن في عينيها المتعبتين…
وهي تشير إلى الملأ من حولنا
بأصابعها الجميلة وتدخن …
أنظر قالت : إنهم يشربون ويثرثرون
وكل واحد فيهم تسكنه الف مأساة،
يعيشون اللحظة في تكرارها المرير…
كل يمثل دوره بتفان ممثل ضرير..
يتبادلون الأنخاب يفرحون ويسعدون
بفوز فريق كرة قدم أو لعرس مغنية..
يشربون بؤس يومهم في ثمالة الكأس..
يعيشون على بقايا أفراح الأخرين..
لكن نظرة واحدة عميقة الى عيونهم
تدرك مدى عمق بؤس الكائن بوجوده…
ثم تنادي النادل تطلب لنا كأسين..
وأنا أنظر وأستمع معجب بالأمرين؛
حديثها الذي أخذني من نفسي وأنساني…
وسهرها على بقاء الكؤوس ممتلأة…
نخب وحدتك قالت وعينيك الحزينتين. .
نخب حكاياتك وبعد رؤياك قلتُ…
وكان االصخب يتزايد في الحانة
وكان البخار يزداد كثافة في رأسي ….
وكنت اراها تشير إلى الناس من حولنا
وأنا أحاول أن الم بعضي لبعضي …
ومضى ما تبقى من الوقت كما العمر يمضي …
وجدتني أسير آخر الليل وحدي …
وأراها تتبع خُطايَّ وتمسك بظلي…
في الصباح حين انتشلتني شمس
الصحو من غياهب نومي ..
كانت رائحة القهوة تملأ انفي …
وتلك حكاية أخرى لا يحل روايتها بالنهار ..
فطقوس الحكي لها في عرفنا قداسة..