نصوص

التهمه سرطان سريع

وفائي ليلا
مات أبي
التهمه سرطان سريع
ترك دمشق كلها خلفه
مسدساته المصدّفة مصلوبة على الجدران
صور الشوارع بالأبيض والأسود
عبد الناصر مرمي في سجادة فارسية
عملات فضية ترن في قاع الذاكرة
مات أحمد ليلا
ترك خلفه أمي
بعينين مطفأتين
وقلب مثقوب
خط القصاع
أصدقاء السوء جميعاً
أم كلثوم التي تنتحب في كاسيتاته الأنيقة
مسرحيات فيروز
رائحة العرق التي تفوح من عدة منازل غادرناها
وظلت جثثنا جميعاً هناك
متناثرة
مثل حيتان تنتحر
مات أبي …
كان هائل الطول
وبعينين حادتين مثل جارح
أخذ موسيقاه معه
تمايله الرصين ذاك
قبل أن يرى ما حل بنا
أولاده الثمانية
تقاذفتهم رياح أوروبا جميعاً
كانت موجات عالية يا أبي
تلك التي أخذت أحفادك إلى البعيد
الولد الذي أخذ اسمك الملكي
صار “بارماناً ” يلم كؤوس فارغة تحت جنح العتمة
ابنك الأوسط
لم يبقى أحد لم يسطو عليه
ضائع على أرصفة استوكهولم وبالكاد يتذكر اسمه
ابنتك الأجمل
في مدينة تقع جنوب البرد
توزعت دمنا القارات
“بطل الأخبار الأول”
الذي كنت ترفع له اصبعك الوسطى
كلما ظهر في نشرات الأخبار
نجح بدفن سلالتك كلها
ومدينتك
وخط باصك القديم
حبيباتك
أمك
صورك
وكل الطوابع التي حرصت جمعها
صرت وحيداً في قبرك
بعيداً يا أبي
بعيداً ومتروك
لا يزورك أحد
ولا أحد يقرأ لك الفاتحة
كل أولادك ابتلعهم البحر
دون أن يموتوا
ومن تبقى …
ينتظر فرصته
للغرق ..!