نصوص

تأخرت في مغادرة جزيرتي

صلاح فائق
وصل الغسقُ هذا المساء الى بيتي
كأنهُ ريفيّ يعودُ من مأتم .
بعد دقائق حضر الليلُ ايضاً
وبدأ يشغلني بظلامهِ , أصواته الغريبة
وثرثرته مع الغسق
ألتمسُ عفوكَ , قلتُ لهُ , دعني اتمّمُ قصيدتي
سمعتكَ , من الخارج , تسردُ حكايات عن فلّاحين مع مناجلهم
قرب هضبةٍ , هاربين من زلزال
وعن شبحٌ كان يحاوركَ امام الباب
عن سنواته في سجن الاشغال الشاقة .
دعني اتمّمُ قصيدتي , قلتُ لهُ ثانيةً
لكنهُ مازالَ يثرثرُ مع الغسق
*
تأخرت في مغادرة جزيرتي
لا أمل لي الآن , في عمري الذي يسبب لي , في كل الأوقات ,
آلآم ألأطراف والذكريات . عليّ البقاء هنا حتى نهايتي
لأحافظ على كتبي ملابسي ,
كلبي وعلى قلمينِ وكومة أوراقٍ بيضاء
وأخريات ينتظرّن تصحيحاتي . أين أنقلُ هذا كله ؟
وماذا عن الملاعق والأحذية , دون ان انسى فرشاة الاسنان ؟
ماذا عني , كيف أحملني الى بلدٍ آخر ؟
مرةً , قبل أعوام , غادرتُ , ثم ندمتُ
غفرت لي جزيرتي , لذا لن أخونَ وعدي لها .
*
لا أحد ينتظرني في اي بلدٍأصلُ اليه .انا الآن في مدينةٍ لا أعرفها :
أستيقظتُ في فندقٍ رخيصٍ هنا ، ومن دليلٍ للسياح ,
ارى مكتبةً صاحبها كارل ماركس ـ
رجلٌ , مثلي , شاخ قبل ألأوان ، رأى حروباً وثوراتٍ تعدو بين البيوت
وقرأ أشعاراً على حيواناتٍ ثقيلة السمع
أراهُ هذا المساء , جيدً أن أشاهدهُ برجوازياً صغيراً في مكتبته بيانو
وعلى البيانو منهدة خادمته الشابة . أنا مازلتُ عاملاً متجولاً ,
ألمّعُ لوحاتٍ نحاسية لأسماءٍ وعناوين على أبوابِ بيوتٍ وعمارات
*