سينما

الهاتف المحمول قنبلة موقتة في جيوبنا

فيروز صالح
الهاتف المحمول… ذلك القنبلة الموقوتة في جيوبنا وحقائبنا، الصندوق الأسود لكل منا، ذلك الذي يحوي على الكثير من تفاصيل حياتنا..وهو ما يثبت أن لدينا ثلاث حيوات.. عامة وخاصة وسرية… ذلك الشيء الصغير أصبح صندوق أسرارنا الأسود..
في الماضي كانت الأسرار محمية في الأذهان ربما أو أي في مكان ما ، الآن كثير منها متواجد في شرائح هواتفنا، تلك الشرائح الصغيرة… ماذا لو تحدث ذلك الشيء الصغير؟ ماذا لو أخرج ما في جعبته ؟ …
” غرباء تماماً ” “Perfetti Sconosciuti” هو فيلم دراما ايطالي ، متميز للغاية و رغم بساطته إلا أنه عمل فلسفي قائم على الحوارات بين الأبطال التي تعكس حقيقة العلاقات…
مجموعة من الأصدقاء ثلاثة أزواج بزوجاتهم وصديقهم غير المتزوج …زوجين حديثي الزواج يرغبون بتكوين عائلة، و زوجين يعانون من مشاكل ابنتهم المراهقة، و زوجين لديهم طفلين وبرود عاطفي تجاه بعضهم، وصديقهم السابع الذي بدأ لتوه بالمواعدة.. وفيما عدا المسائل والإحباطات العائلية المعتادة تبدو حياة الجميع عادية وطبيعية…
يجتمعون بمنزل أحدهم من أجل العشاء و رؤية خسوف القمر معاً، وخلال حديثهم يذكرون صديقهم الذي خان زوجته والتي اكتشفت فعلته بسبب رسالة من عشيقته عبر الهاتف المحمول… يتحول الحديث إلى نقطة إلى أي مدى يعرف الجميع بعضهم البعض، الجميع يؤكد بصوت واحد وثقة أنهم كأصدقاء يعرفون بعضهم جيداً و لا أسرار بينهم أصلاً … ثم يتناولون التكنولوجيا الحديثة وكيف أن هذا الصندوق الصغير يحمل الكثير من تفاصيل حياة بداخله إلى أن تخطر في بال مضيفتهم فكرة وتقترح أن يلعبوا لعبة أثناء تناولهم العشاء وهي أن يترك الجميع هواتفهم على الطاولة ليعرفوا إلى أي مدى حقا يعرفون بعضهم… يوافق الجميع بمرح… عند وصول أي رسالة سواء نصية أو واتس أو اي نوع من انواع الرسائل لأي هاتف تتم قرأتها بصوت مرتفع وإن كانت مكالمة فيتوجب فتح مكبر الصوت… الجميع يضحك ويتبادلون الحديث ثم تبدأ الرسائل بالتوافد، وما يبدأ بالضحك والمرح يتحول لشئ مريع وكارثي…
كلما مر الوقت إزداد الأمر جدية… ليكتشف الجميع أن لكلاً منهم أسراره الشخصية التي يخفيها ليس فقط عن أصدقائه بل عن أقرب الناس إليه… مع كل دقيقة تمر ، وصوت هاتف يرن أو صوت رسالة واردة يزداد الأمر صعوبة…
عبارة الزوجة التي تكتشف سر زوجها ويكتشف هو سرها بدوره تظهر كم هي كثيرة تلك العلاقات الهشة التي ممكن أن تستمر سنوات وسنوات بنفس مستوى الهشاشة وربما أكثر
:” لمَ لم ننفصل ؟ على الناس أن يتعلموا كيف ينفصلون!!! ”
أن نتعلم أن نقول لا بوجه أي علاقة لا نجد أنفسنا بها مهما كان العمر أو الوقت الذي قضيناها فيها أو أن نستمر فيها وذلك ماهو إلا خديعة لأنفسنا….
النهاية ربما هي مفاجأة للبعض لكن لها مدلولها فهي تؤكد أننا غرباء تماماً نتظاهر بما هو عكس ما نحن عليه….وتبقى لكل منا حياته السرية جداً حتى عن أقرب المقربين أصبحت تحيا بداخل شريحة صغيرة…