كتابات

يقين الشعر وبرهان الموسيقى والتشكيل

يقين الشعر وبرهان الموسيقى والتشكيل تأملات في ديوان (إيكاروس أو في تدبير العتمة… يوميات من ثورة 25 يناير) للشاعر علاء عبد الهادي

ناظم ناصر القريشي

ينسى الناس كيف يطيرون، لأنهم يفقدون المرح والبراءة والجرأة.
-جيمس ماثيو باري-
لا زال تعريف الشعر مستعصيا فهو ليس اللغة ولا الفكرة , لكنه أثر الكلمات في اللغة , وما قبض علية من أثر اللحظة او الفكرة في الكلمات ، وحتى الشاعر لا يستطيع ان يُعرِّف الشعر وماهيته رغم أن ماهيته تدل عليه ، ورغم أن التعريف الظاهر للشعر والذي يؤكد أن الشعر نتاج أنساني على اعتبار أن الشعر يتجسد في الكلمات، لكن لدينا الطبيعة وهي الشاعر الأكبر ما تولده من أجواء وموسيقى ، ولدينا أيضا دليل على شاعرية الشاعر التي لا يحدها إلا خيال الشاعر المطلق والخلاق في حضوره ، والشاعر علاء عبد الهادي في ديوانه (إيكاروس أو في تدبير العتمة… يوميات من ثورة 25 يناير) والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب رغم اهتمامه في سرد حكايات الثورة عبر اجزائه الثلاثة وبدايته ونهايته ؛ حاور فكرة المستحيل التي لا نص يمتلكها فيمحوها ولا إقامة فيها ولا حلول ، فابتكر إيكاروسه المتماهي مع تمرده وصولا الى المعرفة هو ما يمكن تحقيقه من المستحيل حتى ولو بالكلمات حيث تخفق روحه الخلاقة وحضوره الجليل، فهو الفكرة الجموح المتموجة بين الحلم واليقظة، وامنية الريح التي لا تنحني إلا للأجنحة ، فعلى مرأى الحالمين والثوار على حافة الحلم بانتظار المعجزة كان الشاعر وبكل مجازاته و ‬استعاراته ‬الصوفية وبتوالي التجليات يضبطُ ايقاع الثورة على خاصرة الشعر فيكتب في مقدمة الديوان

(كانتِ المجموعةُ مهداةً إلى صاحبةِ الاسمِ، لَكنّها لَمْ تَحفَظْ أُخوةَ الدّمِ، وَلمْ تَستحقْ نَزْفَ المرحِ وَالعِشقِ على عَوْراتِ الحروف، ومعَ تَكْرارِ الفِراقِ، نَبَتَ “إيكاروس” طَائِرًا إلى الشّمسِ الّتِي اِستَتَرَت بِنُورِها، وَلَمْ يَعرِفْها إلا مَن عَرَفَ حِجَابَها المضواءَ، وأشرفَ على الكَشف، هكذَا كُنّا، أمّا هُم فَكانوا ونحنُ في مُقامِ العِشقِ، يُدِيرونَ عَتَمَةً.. بسعةِ الفَضاء!)
نلاحظ أن الشاعر وفي انزياح مدهش استخدم كلمة نبت وهو ما أخرجته الأرضُ من زرعٍ وشجرٍ كما تقول المعاجم، لكن لدى الشاعر هي ما توهجت به الكلمات وأخرجته من معنى، ونلاحظ ايضا أن إيكاروس يفرض علينا طاقته التعبيرية الفعالة منذ اللحظة الأولى على اعتباره “طَائِرًا إلى الشّمسِ الّتِي اِستَتَرَت بِنُورِها، وَلَمْ يَعرِفْها إلا مَن عَرَفَ حِجَابَها المضواءَ ”
الديوان هو الحادي عشر من ضمن أثنى عشر ديوان للشاعر الدكتور علاء عبد الهادي، عبر تجربته الشعرية التي امتدت لما يقارب 40 عاما، فهو شاعر من جيل السبعينيات، وناقد أكاديمي، ومفكر مصري. دكتوراه الفلسفة في النقد الأدبي، تخصص أدب مقارن؛ ويعتبر الديوان أول تجربة شعرية ترتبط بيوميات الثورة. وترتبط نصوصها بنصوص بصرية على اليوتيوب، -حسب ما مذكور في الفهرس الثاني للديوان-دون أن تكون تسجيلا أو تابعا للحدث؛ لهذا يعتبر هذا الديوان عمل ينتمي إلى ما بعد الحداثة، من حيث الفكرة التي تحكمها الرؤية والأسلوب الذي يحكمه الأبتكار فهو تجربة جمالية مشعة يحمل سمات الحياة التي انبثق منها وفي نفس الوقت يحمل صفاته، وتتساوى فيه نسبة الأبداع المكونة له، وقد ذهب في أحايِينُ كثيرة الى المطلق، فتستيقظ الحياة في الجهة المقابلة، لنجد أن الزمان والمكان هي القصيدة
وسنقدم في هذه القراءة بعض قصائد الديوان:
استخراج التكوين الشكلي من الكلمات قصيدة (صورة رئيس) نموذجا
كان يصحو كل يوم ثم يذهب، الى صورته
الكبيرة على كل حائط يحدق (طشاشا) ..
لكن ما حيره، أن قميصه الحجري، لا يتبدل، ولا
يدخله الهواء، كابتسامته تماما،
كان يشعر أن صورته تشيخ، وان حروفه البلهاء
تساقط خارج الإطار، وان شعره يحترق
فمرآته .. من ثلاثين عاما، بيضاء لا تجاعيد فيها.
يقول الناس:
الوجه .. نفس الوجه ..
لا حياة .. فيه ..
تشكيليا الشاعر احتوى المشهد كاملا بتحولاته وأزمانه الحاضرة حضورا كليا ومنحها ضرباً من الحيوية الشعرية والرؤية البصرية، لتنفتح الى ما لا نهاية من الدلالات حين يتجاوز المحاكاة الى جماليات التكوين، ومنح ذاكرة القصيدة استمرارية وحضوراً للأبد ، عبر المجاز الشعري والإختزال الفني والتشكيلي وقدرته ايحائيا وتأويليا، فنرى الرئيس الذي يصحو كل يوم ويذهب الى رؤية صورته التي تثبت وجوده وحضوره الدائم ، فصورته على كل حائط لكن الذي يحيره ان قميصه الحجري لا يتبدل ولا يدخله الهواء فهو لا حياة فيه كابتسامته , فيشعر هذا الرئيس بأنهياره وهزيمته داخليا فصورته التي لا تتبدل بدأت تشيخ وان حروفه البلهاء تساقط خارج الإطار ، في هذه القصيدة اختصر الشاعر فكرة الثورة , وموسّق الحضور والغياب النهوض والسقوط والزوال ، ولا نستغرب إذا رأينا اجزاء الصور المهترئة أسفل اللوحة / الورقة ، وأبعد من ذلك سيباغتنا هذا الحضور المذهل والذي سيحتوي المشهد بأكمله في هذا المقطع
يقول الناس:
الوجه .. نفس الوجه ..
لا حياة .. فيه ..
هكذا استخراج الشاعر بين العصي والممكن التكوين الشكلي من الكلمات فأصبح لدينا بالإضافة للقصيدة بورتريه شعري أيضا

يقين الشعر وبرهان الموسيقى والتشكيل قصيدة (أوراق الخريف) نموذجا
يمتلك الشاعر علاء عبد الهادي خاصية متقدمة قابلة للتوسع وللتحول في العلاقات الجمالية بين الكلمات والموسيقى والتشكيل وهذا ما سنجده في قصائد الديوان وقصيدة أوراق الخريف نموذج لذلك ، لكونها تحتوي على عناصر فنية كثيرة، وعلى رؤى دلالية، وحزم من الاستعارات والمجازات، يمتد نفوذها الشكلي والمعنوي والدلالي في جميع أرجاء القصيدة ، فالكلمات تبدو مستسلمة بنشوة لإغراءات الموسيقى لأجل خلق رقصة أو أداء إيقاعي، ‬فهي مضيئة ومع كل ما ليس هي ، تثير الادهاش بزهو انتشاءاتها وانبعاثاتها المتوهجة وبانتقالات الشاعر العجيبة والتي لا تعبر عن قدرة الشاعر في التشكيل فحسب بل على قدرته تكوين هارموني شعري مبني على تعدد الأصوات , فاستدعى كلما اوحت به الموسيقى وسكبها في هذه الكلمات على اعتبارها يقينا ابداعيا ؛ فكما تختصر ورقة ساقط من الشجرة في فصل الخريف فصلا كاملا. تختصر الكلمات الموحية بلحظية موسيقى الحضور ؛ فالشاعر جمع في هذه القصيدة بين انطباعية مانيه وديناميكية دوشامب ورؤية جان دوبوفيه، وشاعريته التي جعلت فضاءات القصيدة واسعة فيقول في قصيدة أوراق الخريف:

كانت الخدعة أجمل، وهو يذهب -كل يوم-الى
باره المصاب بالأرق، كي يرتل أغنيه عتيقه، تمتد من قيثاره الغليظ الى (أوراق الخريف)
فذات وعد خافت في سماء بودابست .. تركته حبيبته في ” الكوبليه ” الأخير , ولم تدلف ثانية الى الاغنية
كانت نادلة فارهة تطل من فوق الفصول ، بأطباقها وهي توقظ الذكريات , دون مناعة أو ندم ؛
كم لامسها .. هو المحنك ، في نوتاته المدونة , دون ان يشعر الحاضرون
هل لنا أن نسأل كيف احتوت وطوت هذه الكلمات الصورة والموسيقى كانعكاس صورة الصباح على قطرة ندى وهنا نمضي منتشين باتجاه بُهـرة اللغة التكوينية وبلاغة لحظية الزمن فيقول الشاعر:
لم ينتبهوا كيف رقص الهواء هكذا -حولها-حتى مرة الفصول كلها في نغمة واحدة..
كانت الأغنية تهوي فوق حجره تماما، مهيأة
كأنثى، ترفل، من فوق سلمه نشوى، كلوعة القاهرة
رسم الشاعر عباراته لتبدو في حالة حركة أبدية ومستمرّة، فمن هكذا المركَّبة من هاء التَّنبيه وكاف التَّشبيه وذا اسم الإشارة تبدأ قصيدة أخرى ساحرة متوارية في ثنايا نص مواره بالحركة ومفعمة بالحياة ومنتشيه بالهواء المضيء بالألوان، وهكذا هنا محورا لصور تتوالد من بعضها البعض ضمن احتمالات متعددة ، يبدو الامر كأن الفكرة قد انتقلت عبر الكلمات من دون قطع الفضاء الفاصل بين القصيدة والمتلقي، لذا هذا النص بالذات نموذج للنص الذي ينهل من ذاته ، وهذا مالم يخطر على بال هنري ماتيس عندما رسم لوحته (الرقصة ) ، ولا على بال مارسيـل دُوشـان عندما رسم لوحته (عاريـة تهبـط السلّـم ) ولاجاك فيتريانو في (الساقي المغني)
ثم تتناسل الكلمات، من الممكن أن نقول إنها تتحدث عن لحظات الكشف والتجلي عند الشاعر ولتثبت انها ليس ايحاءات موسيقية، بل هي الموسيقى ذاتها، تقدم برهانها عبر يقين الشعر الذي يتحدى كل قراءة ممكنة متجاوزة القصيدة نفسها إلى ما بعد القصيدة:

فهل أدرك أن فرقته الغائمة نفسها، لم تنتبه
يوما الى كل هذا الربيع المعطل في بداهة الغناء؟

نتسأل أيضا أي موسيقى ستعزف فرقته الغائمة؛ فعندما رسم جان دوبوفيه لوحة جاز باند – ديرتي ستايل بلوز، كانت الرغبة هي الاستماع للموسيقي عبر لغة الألوان، وغاية الشاعر علاء عبد الهادي تحفيز شهية الكلمات لرسم الموسيقى بتوافق تام مع الفكرة، وهنا تتجلى تجربته الشعرية، فجعل ورقة التوت ترن بين العيون فجمع هنا بين السمع والبصر وجعلهما على مستوى واحد يتجاذبان المعنى وهذا هو انزياح الانزياح؛ فكان لون الموسيقى رمادي باهت محاط بالذبول، انه لون الخريف الذي يتدفَّق في الكلمات عبر مفاصل القصيدة
هكذا .. ضلت أصابع الشتاء، متشبثة بالنافذة
القديمة، ثم ذابت مع الذكريات،
حين رنت ورقة توت بين العيون، على غابة
عراها الشبق، أو كساها الرحيل ..
من أجل هذا اصفرت أصابعه،
ثم سقطت مع الأغنية ..
زاعقة في الحضور :
لقد بدأ الخريف ..
بدأ الخريف ..

الكتابة من ناحية الضوء قصيدة (سيدة الظلال الحبيسة) نموذجا
للشاعر علاء عبد الهادي حساسيته تجاه الكلمات كحساسية الفنان التشكيلي تجاه الضوء والألوان، فهو رسم لوحة ووسع افق الفكرة لتحتوي ما يحيط بها وما يجاورها، فكثف حضورها الذي يسبق كلماتها، وفعل حواس الكلمات فحرك عين الحلم، وتحصن بالكلمات فحاز بلاغتها فصار بها ممتلكا لكل مفاتيحها التي تأخذه نحو الابداع
وهذا ما سنجده عبر قصيدة (سيدة الظلال الحبيسة) التي تكاد الألوان تضيء عبر خفق شعري غامض وشفيف فيقول الشاعر:

كانت الكتابة عزلتي الآمنة، وانا اجرح نفسي بين الشفتين تماما-كي أكون طبيعيا-ثم اضع ابتسامة صامدة،
وكان هناك شاعر .. وقف تحت لعاب قمر! بعد الشرفة، وقبل وعد الشجرة تماما، رمى، صنارته، ثم ” شمر عن ” اكمامه، وجلس ينتظر،
وكانت هناك نصوص مبعثرة لا يلمها، أحد وخفق في الهواء غامض لكنه جميل ..
من اين تأتي الكلمات والى اين تذهب هذا ما رتله القمر وتموج في الكلمات وأوله الشاعر وتمنها جان جينيه في نصه الجامع فهو كحيرة الذهب ويقين الفضة

النمو عبر الألوان قصيدة (رمادي أخضر اللون) نموذجا
وفي قصيدة (رمادي أخضر اللون) وهي من قصائد الديوان القصيرة سنجد أثر اللغة الخصبة ونسيجها الصافي، فهي ليست قصيدة نثرية مباشرة وبسيطة على ظاهر القول. لكن هذه القصيدة تعتبر فاصلة بين مرحلتين او هي بداية لتشكيل مرحلة جديدة فهي تشكيل للنمو عبر الألوان، فعبر رمزية ورؤيويه توجز كلية القدرة على التعبير، فكأن الشاعر يقول هذا والبقية تأتي، فهو جعلنا نتسأل عن اللون الرمادي وهو لون حيادي يميل الى الرتابة ولماذا أضاف الشاعر له اللون الأخضر، بينما لدينا قلبان نابضان بالحياة وبينهما منطقة خضراء تشرق بالنمو روحيا
يقول فيها:
كان قَلْبُ الأَرْضِ أَسْوَد
وَكان قَلْبُ الْبِذْرَةِ أَبْيَض؛
بَيْنَ
الاَسْوَدِ ………وَالأَبْيَضِ
منْطِقَةٌ
خَضْرَاء!

بلاغة اللغة وبلاغة الخيال قصيده (المسافة المطوقة) نموذجا

كان العرب قديما يحسبون المسافة بالزمن لكن الشاعر حسب مسافته في قصيده (المسافة المطوقة) بالخيال وبالرؤى او اختراق حجب الكلمات والمعاني، فبلاغة اللغة هي التي أنتجت الشعر وبلاغة الخيال هي التي انتجت القصيدة فكان إليها منتهى بلاغة اللغة وبلاغة الخيال ، فالشاعر جعلنا نتتبع فتنة اللغة ونستجيب إلى ما تمليه علينا ونستشعر غريزة الشعر المنضوية في البعيد، حتى اننا لا نستطيع أن نغادرها بسهولة , فكل جملة تشع منها غريزة الحياة تعبر عن سحر اللحظة التي نمتلكها أو لا نمتلكها، تلك التي كانت تعتمل في الذات، والتي كان بإمكانها أن تكون
فهو يقول في حكمة القصيدة (فِي كُلِّ شَيءٍ، شِعْرٌ، لا يَكُفُّ عَنِ الصُّرَاخ، لَكِنَّنَا لانُحْسِنُ الإنْصَات):
قَدْ صِرْتِ فِي عَيْنَيَّ نَجْمًا، يَجْتَوِي لا يَحْتَوِي، رُدّي عَلَيَّ مَسَافَتِي، أَوْ كَسَّرِي قَيْدَ الْيَمَامِ وَمَا تَيَسَّرَ، كَيْ تَلُوصَ عُيُونُنَا.. كَالْحَرْفِ يَصْبُو.. كَالْكَلام. هَذَا اِبْنُ حَزْمٍ يَرْتَجـِي وَلَهًا، وَلَمْ تُعْطِيهِ فَوْقَ مُلَاءَتِي الْبَيْضَاءِ أَسْرَارَ الْعَرَافَة. هَذَا “الْمُحَلَّى” يَنْتَوِي قُرْبًا، وَلَمْ تُعْطِيهِ غَيْرَ تَحَفُّظٍ فِي الْقَوْلِ، أَوْ طَوْقَ الْمَسَافَة. وَالحُبُّ يَهْتَبـِلُ الشَّهِيقَ كَمَا يَشَاءْ، وَأنَا الْهَوِيُّ، العِشْقُ إِثْمُ مَشَاعِرِي، وَمَشَاعَرِي كَالطِّفْلِ-كَامِلَةٌ.
فـإيكاروس الباهر يكشف لنا عن درجة التأثير الذي مارسه على متلقيه هو ابعد من خفقة جناح واوسع من عين الدهشة وهي تسأل عن اللحظة القادمة
نرى أن شاعرية هذه الديوان تجاوزت الزمن الشخصي الذي عايشه الشاعر وحتى زمن الثورة الذي يروي حكاياتها، فهو يمثل اللحظة التي يقرأ فيها وليس اللحظة التي كتب فيها؛ وإذا لم نقل غير هذا فأننا سنذهب الى لوحة سقوط إيكاروس التي رسمها بيتر بريغل حيث لم ينتبه أي من الشخوص في اللوحة الى سقوطه وبالكاد يمكن رؤيته في أقصى يمين القسم الأوسط وهو يغرق وهذا لايتناسب مع شاعرية الديوان تماما
فالناظر الى تجربة الشاعر علاء عبد الهادي سيجد انه جعل من الانعتاق والسعي إلى المطلق محوراً تأسيسياً للكتابة الإبداعية، فهو يتقدم إلى القصيدة، مفتوناً بها ليحل فيها، يلمح روحه بمدد الكلمات، بحضورها الخفي في مقام التجلي من الباطن الى الظاهر وبلغة صوفية معرفية تمردت العبارة فيها على ذاتها لاتساع رؤيتها فكانت هكذا او على هذا النحو، والاهم من ذلك الوعي الجمالي المتعالي في فن الشعر الكامن في ذهنية الشاعر علاء عبد الهادي؛ فهذا الشعر ليس تجربة في اللغة بل هو السحر الذي يدار بواسطة الكلمات، وكلمة الشعر تتبع كل ماهو مشاع من الروح الذي يبدو انه خرج مباشرة من ذات الشاعر وسحرها يدوم اطول من تعويذة الفيزياء في الكيمياء، وهذا هو الانتماء المتبادل بين الكتابة والإحساس بها