نصوص

حب من أول رفسة..سرد

علي جعبور

كان الوقت تمام الواحدة زوالا، عاد الرعاة الى قراهم وبدا الوادي فارغا الا من عصافير صغيرة تزقزق مرفرفة ما بين الغدير والخمائل الكثيفة.
كانت هند تقف بجانب حمارتها البيضاء الرفيعة وتملأ القرب من الغدير الصافي، كانت تصب دلوا في قربة وآخر في القربة الأخرى حتى لا يختل الوزن فتميل وتسقط.

وكان عبده يهبط المنحدر ويغني: “وارد على الماء نزل وادي بنا”
يركل بقدميه رقبة حماره الهزيل ويدوّر قمع الماء البلاستيكي يمينا ويسارا بين فخذيه كمقود، متخيلا الحمار سيارة فارهة وهو سائق متهور، كان في الخامسة عشرة وكانت هند تصغره بسنة تقريبا.

وقف حماره خلف حمارتها، حاولت إبعاده بالهش بيدها تجاهه عدة مرات بيد أنه تسمر في مكانه ورفض أن يتزحزح، بل وتجرأ على مد أنفه القذر متشمما مؤخرة الحمارة الغارقة بالماء.. حركت الحمارة أذنيها وطأطأت رأسها بخجل، فلم يزده ذلك إلا رغبة وهياما بها، أعاد الكرة وشمها من جديد رافعا عقيرته بنهيق صاخب تردد بقوة في جنبات الوادي العميق، ولم تخجل هذه المرة بل غضبت من تصرف هذا الغريب الأحمق وباغتته برفسة قوية على وجهه ورفسة ثانية أخطأته وأصابت ساق عبده، قفز من فوق ظهر حماره وأخذ يصرخ ممسكا ساقه بكلتا يديه، فالتقطت هند عصاة كبيرة وشرعت تضرب إتانها وحماره بينما تشتمهما:
– عليكما اللعنة يا قليلي الحياء، يا حمير يا أولاد الحمير يا كلاب يا أولاد الكلاب..

وهكذا حتى تفرقا، ثم أقبلت نحوه، جلست قبالة ساقه المصاب، أمسكت به بلطف وراحت تفحصه بعناية فائقة، بصقت في كفها ومسحت على الورم الذي أخذ يتشكل في مكان الرفسة، فشعر بالألم يتبدد حتى كأنه لم يصبه أذى.. وبينما كانت تطببه كان يتأمل وجهها الفاتن، عنقها البض، أقراط الذهب في أذنيها الرقيقتين، يدها الناعمة وكفها المحنى، ثدييها الصغيرين الناتئين من تحت ثوبها الأزرق كتفاحتين في صحن من الفضة الخالصة، كانت لا تزال تتفل وتمسح ولم تشعر بأثر نظراته النهمة التي تنهش لحمها الطري.
كانت تملك جمالا فاحشا، و كل حركاتها تغنج وحسن ودلال.

أخذت بيده حتى وقف: إنهض الآن وامش عليها، اللعنة على الحمير، قالت.
مشى قليلا بعرجة خفيفة..
-يالك من طبيبة ماهرة، لقد ذهب كل الألم في لحطة.
ابتسمت بخجل..
– ألا تعلم أن أمي سيدة؟
-أعلم ولكن هل تكون إبنة السيدة سيدة أيضا؟
-هئ هئ هئ سيدة وريقها علاج.

قادت إتانها نحو الغدير وقاد حماره ايضا، شرعا يملآن القرب، ويتبادلان النظرات بصمت، كانت قد ملأت قربها حتى النصف قبل وصوله لذلك أكملت ملأها سريعا وجاءت لمساعدته، وما إن انتهيا من ملأ القرب حتى بادرها بالسؤال: ألا تشعرين بالحر؟
-بلا، إنه الصيف.
أخذ دلوا وصبه فوق رأسه حتى ابتلت كل ملابسه وألتصقت بجسده، احمر خجلا عندما بانت ملامح أشيائه بوضوح تحت الإزار المبتل.
كانت هند ترمقه بنظرات معجونة بالرغبة، وما ثم أن ملأت دلوا وصبته فوق رأسها، ففاحت منها رائحة مسك ذكية جعلت قلبه ينتفض كريشة في العاصفة، اغتسل بدلو آخر وفعلت هي الشيء ذاته، وثالثا ورابعا، ثم ألقى بدلوه بعيدا، ملأ كفيه بالماء ونضحها.. ضحكت. وكانت ضحكتها صافية وعذبة كخرير الجداول المنسابة فوق الصخور.. ملأت كفيها، نضحته وهربت، طاردها بخطوات متثاقلة ومقيدة بماء البركة. كانت قهقهاتها تشق صمت المكان وتتردد في روح الفتى المفتون كموسيقى أبدية خالدة، تشابكا بالأيدي وسقطا في طرف في الماء الصافي والنقي كروحيهما، كانا متساويين في الطول وكان الماء يغمرهما حتى الركب، سحبها إلى مكان أعمق..
– إلى أين تأخذني يا ملعون؟ تساءلت بمكر.
رد مع غمزة أشد مكرا:
-لا تخافي يا سيدتي، فقط، سأعلمك السباحة قليلا.