نصوص

هل القصائد مضادات حيوية؟

سونيا فرجاني
أحاول أن أستعيد القصائد الأولى التي آنتهيت بها إلى ممالك شعر.فلا أتذكّر اللغة التي كتبتُ بها ولاحجم قلبي ورأسي وقتها ولاوزني ولاحتى مقاس خصري.
ربّما كنت أشكّ في الكتابة كما أشكّ في مفاتيح بيتنا الكثيرة،لعلّها كانت غير ضرورية وبكلّ تلك الكمّيّة لفتح أو غلق أقفال صنعها الحدّاد بحماقة رجل أمين.
للأبواب حرّياتها التي لم تنلها أبدا،كما للغة حركة حرّة لم تجعلني أبدا أنال فصاحتي.
القصيدة كالباب،تصدر أزيزا وتسبّب تيارات هواء ،تعزلك أو تخرجك وتضيع مفاتيحها غالبا خارج البيت سهوا.نضطرّ مرات لخلع باب تيبّس فيه مفتاح ، كما يُخلَعُ ضرس عقل مسوّس ويُنام بعده بمسكّن آلام.
هل القصيدة مسكّن آلام أم هي فعلها الأول؟
هل القصيدة حواسّ مهيّأة للتضاعف والإنقسام أم هي مضادات حيوية لاتنتهي صلاحيتها؟
أنا لا أحبّ مفاتيح البيت “المشكّكة” في كتل متعددة الأحجام,ولا أحب الكلمات التي تورّط فيها أهلي ليتسلقّوها تمائم يعبرون بها حياتهم أو يُعبِّرون بها عنها.
أنا مثلا لا أقول لأمي أشعر بالجوع ،أسألها هل لابد من تحريك أسناني البيضاء لأسُدَّ صوت هذا الجوف الغامض داخلي؟
يعود أبي من العمل ،لا أخبره أني أشتاق إليه ولكن أحدّثه عن لون داكن لازم عينيّ الواسعتين طيلة فترة غيابه.
في بيتنا نصدر أصواتا كثيرة أشدّ تعددا من حواسنا ،تخرج من أقفال الأبواب ومن تحتها أيضا.
تغلّف أمي أصص الحديقة بأصداف جمعها أبي ذات يوم صيف من شاطئ فضفاض.
تتسلّق منيا المشاغبة شباك جارتنا “سليمة” لتقشّر بأظافرها الطويلة أعلى السقف وترسم على الرقعة الصغير من الجير القديم …زرافة.
تدقّ دنيا حبّات عبّاد شمس في مهراس نحاس ،لتصنع منها عجينة تشكّلها قمرا صغيرا في كراس محفوظاتها.
محمد الصغر لايرمي كرة، ولكن يدحرج رأس دمية ثم يقذفه في السماء عاليا جدا هديّة لأطفال مركبة الفضاء.
أجلس أمام البيت.
أمحو رقمه أو عدده ، وأمحو آسم أبي على علامة الرخام المغروسة في الحائط.
تتضاعف رغبتي في فتح يدي …فأرى حروفا تتطاير
وعصافير تأتي لتنقره