كتابات

من الذي سيتكلم باسمنا نحن؟

محمد بنميلود

من الذي سيتكلم باسمنا نحن؟ من الذي سيصرخ بصوتنا صرخاتنا البربرية؟ نحن الذين لا نملك لغتكم الأنيقة، ولا هندامكم الرقيق، ولا كثرة الحذلقة والفهم والتهذيب؟ نحن الرجال الغرباء عن مدنكم وعن كل المدن والعواصم والقرى، النازحون دون حقائب، اللصوص، باعة الساعات اليدوية المزورة في عتمة ميترو الأنفاق، الواصلون للتو من الأرياف البعيدة، أنصاف المجانين، صيادو السمك في السد المسور بالألغام، المتسكعون الذين يكرهون العائلات الكبيرة ويكرهون النظام والقانون والدقة في المواعيد ويكرهون العمل، حراس الغابات والسكك والمقابر والحدود وثلاجات الموتى، الرجال الذين بلا أُسرة وبلا شهادات مدرسية وبلا أوسمة انضباط وبلا أوراق ثبوتية وبلا مواقف مشرفة للأوطان وبلا ذكريات جميلة وبلا حنان سوى حنان نعومة الثلوج، وخشونة الرمال، المقامرون، المستهترون، السكيرون على جنبات الأسوار المهدومة والخرائب وتحت الجسور وعلى عتبات الديسكوتيكات والمصارف المغلقة بالحواسيب ومؤسسات معالجة الإدمان وناطحات السحاب ملتحفين بالمعاطف وبالفيضان مضائين بالنيون وبأضواء سيارات ما قبل الفجر وبمصابيح الشرطة، مُلاّك الشوارع الخاوية في الريح والشتاء حين تملكون أنتم البيوت والحدائق؟ نحن الرجال “المالدسيبليني”، المتوحشون، ذووا القبعات المهلهلة واللحى غير المشذبة والمعاطف المتسخة بالعتبات وبالذكريات وبالمقاعد الخرسانية وبالحنين الصامت، مرفوضين في الإدارات العمومية وفي المصحات وفي السجون، دموعنا غير مقنِعة لأحد وقهقهاتنا مريبة للباعة، في محافظنا الممزقة صورة بالأبيض والأسود لشخص ميت، نأكل فرادى كقطط الشارع دون صحن ودون بسملة، نتجشأ متى أردنا، نشتم حين نحب، وننتظر قطار الصباح الباكر الذاهب إلى المناجم والحروب والمحارق حين تحتاجوننا، جالسين في الضباب على أطول رصيف، مجهولين بالنسبة إليكم بالكامل، بحيث لن تستطيعوا أبدا أن تصيروا أصدقاءنا.
تتحدثون عن أشياء كثيرة، تؤلفون كتبا عنا لن نقرأها أبدا، لأنها لا تتكلم باسمنا، ولا تصرخ بصوتنا صرخاتنا البربرية. تحتكرون الفضيلة والعفة والجمال والحب، ولا تتركون لنا أي شيء سوى البصاق. حين تروننا في الشارع تتجنبوننا، حين لا نريد منكم كتابا، ولا مالا، ولا نصيحة. نريد فقط ولاعة لإشعال سيجارة، أو سكينا لفتح علبة سردين.
لكن، لأننا نعرف أنكم بخلاء وجبناء وأتعس منا، نحن أيضا نتجنبكم، ناظرين إليكم من خلف قبعاتنا المهلهلة ولحانا غير المشذبة وأوساخ وجوهنا وأظافرنا، بازدراء.