كتابات

الأدب النسائي بين جدلية الرفض والقبول بالذات الأنثى .. تاء التأنيث لثريا ماجدولين نموذجا

سيف ابو علي

تعالت في الأوساط الثقافية مؤخرا أصوات ونماذج ادبية تنادي باستقلالية الأنثى في تجربتها الأدبية و استقلال الطرح النسوي بما يترجم ذات الأنثى بعيدا عن سلطوية المجتمع الذكوري.
وبعيدا عن كل المؤثرات البيولوجية و السيكولوجية و الإنثروبولوجية لطبيعة الأنثى وحقيقة كونها ثنائية حتمية لاتكتمل صورتها إلا بوجود الرجل، نحاول في هذه الورقة أن نتطرق بموضوعية وشفافية إلى مدى حقيقة قبول الوسط النسوي أولا من خلال ماتسقطه في كتاباتها، والمجتمع ثانيا لهذه الفرضية من خلال هذه الكتابات الأدبية النسوية وبعدها السيكولوجي. فهل تمثل أنوثة الأنثى معضلة بحد ذاتها تعاني منها في حياتها وتعكسها بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال إبداعاتها الأدبية؟ أن المجتمع الذكوري و سلطويته هو ما زرع في الأنثى هذا الشعور بالنقص والاختلاف عن الآخر؟ وهل كتابة الأدب النسوي يعتبر حالة تمرد أم مجرد حاجة لإثبات الإختلاف والاستقلالية عن الذكر في مجتمع ذكوري بحت؟

منذ حركة التحرر و ظهور حركة ال feminism عام 1848م وحصول المرأة على بعض حقوقها السياسية كحق التصويت عام 1920م ، اتجهت المرأة في أوروبا بشكل دؤوب نحو النضال لتحقيق حالة من الإستقلال الوجودي والثقافي بعيدا عن سلطة الرجل سياسيا وثقافيا واجتماعيا على حد سواء. فبعد أن كانت الأنثى بعدا أساسيا في الكتابات والإبداعات الأدبية الذكورية و مصدر الإلهام للمبدعين و الشعراء والكتاب عربيا وعالميا، بدأ ظهور ما يسمى بالأدب النسائي والذي من خلاله استطاعت مجموعة من نخبة المثقفات العرب شق طريقهن وخلق حالة من الإبداع النسوي العربي غاية في الجمال على سبيل المثال لا الحصر.. أحلام مستغانمي، ثريا ماجدولين، نبيلة الزيباري، ربيعة الجلطي، نوال السعداوي، رجاء الإدريسي، جميلة الماجري، فضيلة الشابي، حياة الرايس و من جيل الشباب سنيه الفرجاني وهدى الهرمي واخريات.

في الحقيقة شدّ انتباهي أحد النصوص الرائعة للشاعرة المغربية ثريا ماجدولين بعنوان “تاء التأنيث” قرأته منذ عِقدِِ من الزمن وكان مثيرا لاهتمامي منذ الولهة الأولى التي وقعت عيني عليه أواخر عام 2001م ، وكذلك نص آخر من ديوان (سماء تشبهني قليلا) لنفس الشاعرة بعنوان “لا وقت لإختلاس الأنفاس” حيث وجدت أنهما يمثلان حالة راقية من الأدب النسوي الذي يستحق التنويه والدراسة. فهل تمثل هذه النصوص حالة تمرديه ضد سلطة و سلطوية المجتمع الذكوري الذي يعتبر المرأة خلقت من أجل الرجل ومن اجل استمرارية الجنس البشري؟

وبالعودة الى النص المذكور آنفاً ” تاء التأنيث” نجد أن الشاعرة ثريا ماجدولين تبدأ قصيدتها بقولها:

هي شوكة في مدادي تثقب الليل
تسيل السواد من جرحه
تفتح ابوابا اغلقتها في وجهي
يد الزمان..

حيث نلاحظ ان الشاعرة بدأت نصها الشعري بالضمير المؤنث الغائب “هي” إشارة إلى تلك الأنثى التي تسكنها وكأنها تصورها في حالة النبذ والاستهجان والتي تستحضرها من جهة أخرى كعنوان للقصيدة “تاء التأنيث” ، و نجد أنها تصف أنوثتها وكينونتها الذاتية الأنثوية بالشوكة في مدادها الثاقبة لهذا الليل بظلمته و وحشته لتسيل السواد من جرحه؛ فهي تجرح هذا الليل بذاتها الأنثوية التي تستخدمها كشوكة حادة تثقب بها سواد هذا المجتمع الذكوري المتسلط، فهذه الشوكة في مدادها (والذي ترمز به من خلالها إلى موهبتها الإبداعية) سلاحها الفتاك الذي تستخدمه لتسيل السواد من جرحه وتفتح عهدا جديدا من التحرر و تكتسب من خلاله حريتها التي أغلقتها في وجهها يد الزمان.
وفي المقطع الثاني تستمر الشاعرة بأسلوب أدبي رائع في وصف ذاتيتها الأنثى وما كانت تعانيه في فترة من الزمان الماضي فتقول:

هي لوثة تركتني في دروب الليل
أبحث عن عنوان ورد،
وإريج قرنفلةِِ سافرت في دمي
يوم كنت صبيه …
هي لوثة تركتني
أعصر من صدري وميض الأسى
وذكرى بنات أخفين قلوبهن
وأجهشن من وراء الليل …

وهنا تصف الشاعرة مرّة أخرى ذاتها الأنثوية بأنها لوثة تركتها في حالة من الضياع والبحث عن عنوان ورد مجهول في دروب الليل الذي تشير من خلاله إلى حالة من الضياع و البحث عن الآخر الذي يمثل الحب والحبيب المثالي الذي يقدر القيمة الحقيقية للأنثى كشريك له حريته و استقلاله فكريا وسياسيا وثقافيا والذي يعتبر المكمّل للذات الأنثوية و ما يلبي رغباتها الليبيدية كأنثى والتي تصفها ب (أريج قرنفلة) سافرت في دمائها مذ كانت صبية.. فهي لوثة جعلتها تعتصر وميض الأسى والحزن من صدرها وذكرى بنات أخفين قلوبهن وأجهشن من وراء الليل، وهذا يمكن أن نعتبره تصويرا بديعا لحالة الأنثى و افتقارها في المجتمعات العربية إلى الإفصاح عن ذاتها الأنثوية والحصول على حقوقها بشكل متساو مع الرجل.
وتستمكل الشاعرة نصها بقولها:
ِ
يعرف الليل كم جمعت نجوما
وجرعت أحجارا وسهدا
حين طرحت تاء التأنيث بعيدا …
واليوم عادت تذكرني
ان عمري في زمن القبائل
محض صدفة …

هنا تستمر الشاعره في وصف معاناتها ومسيرتها مع تاء التأنيث فتقول إن الليل يعرف جيدا كم جمعت نجوما وجرعت أحجارا وسهدا حين طرحت تاء التأنيث بعيدا. فعلى الرغم من ظلمة هذا الليل فإنها استطاعت ان تجمع نجوم الأمل ولكنها تجرعت لهذا السبب أحجارا وسهدا حين ضربت بحقيقة ذاتها الأنثى ورغباتها عرض الحائط ووضعتها بعيدا.. إشارة إلى محاولاتها إثبات حرية المرأة واستقلاليتها مساواة بالرجل، ولكنها على الرغم من تجاهلها لذاتها و رغباتها ومحاولاتها إثبات حقها في المساواة إلا أنها عادت تذكرها بأن عمرها في زمن القبائل محض صدفة..وهنا تعبر الشاعرة عن سلطوية المجتمع الذكوري الذي لا يتقبل الأنثى ككيان مستقل بحد ذاته وأن الأنثى لا يمكن ان تثبت استقلاليتها وذاتيتها الأنثوية بعيدا عن الرجل أو أن تتساوى به؛ والذي تشير اليه بزمن القبائل.

هي لحظة ناديت فيها أسمائي
وخلعت عنها ورق التوت
فتحت باب البحر
وتركت الأمواج تجري إلى حتفها
وهي تتناسل في رحم الماء..

ولعل القارئ المتأمل لهذا المقطع يجد أن الشاعرة من بعد استسلامها لواقع كونيتها كأنثى وأن حياتها في زمن القبائل ليست سوى محض صدفه، تسترسل في وصف حالة الضعف والاستكانة التي تمر بها بعد هزيمة كاسحة في مواجهة حقيقتها كأنثى فتقول بأنها لحظة كانت تبحث فيها عن ذاتها تنادي فيها أسماءها وخلعت عنها ورق التوت وفتحت باب البحر وتركت الأمواج تجري الى حتفها.
و تستأنف الشاعرة هذا النص بأسلوب أدبي رائع ولغة شعرية بسيطة سلسة و بحالة تمردية جديدة وكأنها تتوعد الليل حيث تقول:

سيبكي ليلي حين أغادره
واقذف من نوافذه اشيائي
سينهض حلمي من لغتي الآسنة بالضياع
ويقبض قرصان الظلام
وهم يفقأون عين الشمس في كلامي…

ولكن برغم هذا التمرد الذي تصف فيه ندم الليل وحزنه حين تغادره إلا أن الشاعرة تقع في فخ جديد حين تقذف أشياءها من نوافذ الليل وكأنها تصف حالة أخرى من حالات الهروب من واقعها الأنثوي المرير آملة ان ينهض حلمها من لغتها الآسنة في الضياع على حد تعبيرها. ولعلنا نلاحظ استخدام الشاعرة للفعل المتعدي يقبض قرصان الظلام دون تحديد المفعول به الذي يسري عليه فعل القبض وإبهام كينونة الفاعل ، وتستأنفه بقولها وهم يفقأون عين الشمس في كلامي، ويعتبر هذا هروب اللغوي لعدم الافصاح بالمفعول به والفاعل على حد سواء، حيث يعكس هذا الهروب حالة من الفوبيا الذي يسببه سلطوية المجتمع الذكوري واصفةً إياه بقرصان الظلام والتي تحاول جاهدة أن تتمرد عليه.
وتستأنف الشاعره نصها بقولها:

أوشك ان أغرق في ماء النهار وحيدةً
لذلك أوزع بطاقات الكلام
على قطع الصمت الجاثم فوق وجوه
البنات
وانزع رياح القبيلة من كتاب الذكريات..

فعلى الرغم من نزعتها التحررية وتمردها على الليل وقرصان الظلام، تعترف الشاعرة بحالة الضياع والملل الذي تعانيه جراء هذا التمرد فهي توشك أن تغرق في ماء النهار وحيدة توزع بطاقات الكلام و أفكارها التحررية على بنات جيلها ومناصراتها اللواتي يعانين من المعضلة ذاتها وهي الوحدة وعدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي ، ولكنها تنجح في الأخير في نزع مفاهيم وأيدلوجية العيب والتي تصفه برياح القبيله من كتاب الذكريات الذي صنعته سلطوية وتابوهات المجتمع الذكوري.

وفي السطور التالية تصف الشاعرة معاناتها مع تاء التأنيث مرة اخرى فتقول:

هي قلعة حاصرتني طويلا
وشدت كلماتي إلى جذع الصبار
فضممت أشواك البقاء
وهمت فوق ادراج السماء
وحيدة كسيف خلفته الحروب
كعصفور تفاجئه الرياح بعيداً…
هي دمعة خلفتها لغة الحصار في دمي
وشدت الى جذع النخلة حرفي
فارتمى سنبلة..

وفي هذا المقطع تسترسل الشاعرة ببسالة في وصف شدة المعاناة التي تجرعتها جراء كونيتها الأنثوية فتصفها بأنها قلعة حاصرتها طويلا وكممتها فشدت كلماتها إلى جذع الصبار وعلى الرغم من هذا فهي تختار البقاء على موقفها فضممت اشواك البقاء ، وتستمر في حلمها وتهيم فوق ادراج السماء ، ولكنها تبقى وحيدة دونما فائدة كسيف خلفته الحروب، ضعيفة كعصفور تواجهه الرياح بعيدا. وهي على حد تعبير الشاعرة دمعة نسجتها لغة الحصار في دمها ولغة الحصار هذه تشير إلى حالة الحصار والكبت التي تعانيها الأنثى جراء التابوهات الأبوية والذكورية التي تعاني منها في حياتها منذ الصغر وحتى الممات، وشدت إلى جذع النخلة حرفها فارتمى سنبلة. وفي هذا الجزء نرى أن الشاعرة استخدمت بأسلوب ادبي رائع الاستعارة الضمنية لآيات من القرآن الكريم تصف العذراء مريم حينما فاجأها المخاض إلى جذع النخلة. وكان مثمرا حين شدت إلى جذع النخله حرفها فارتمى سنبلة.

وفي المقطع الأخير من القصيده تناجي الشاعرة بلغة شعرية سلسة قلعة الصمت في روحها فتقول:

يا قلعة الصمت في روحي
انفتحي
وضمي إلى الحرف بقايا العنف الهارب
من ثقب الذاكرة
وانشري في المحيطات دمي
لعله يكشف ما خبأه الصدر
من كلمات…

وهنا يتبين لنا أن الشاعرة تناجي ذاتها الأنثوية وتستميلها للانفتاح من خلال ضم بقايا العنف الهارب من ثقب الذاكرة إلى الحرف عله يكشف ما تحمله في حناياها و ما يجيش بصدرها من لغة تمردية أنثوية لتعكس للآخر من خلال كتاباتها ماتعانيه الأنثى من تسلط التابوهات الذكورية سواء كان أبا ، أو اخا ، أو زوجا..

ونقرأ في نص آخر للشاعرة ثريا ماجدولين بعنوان “لاوقت لاختلاس الأنفاس” من ديوان (سماء تشبهني قليلا) حالة أخرى من مناجاة الذات الأنثوية قبل الذات الشاعرة فتقول:

يا امرأة تقيم في جسدي
تملأه بالأسرار
تطرز حواشيه بخيوط الصمت
ارحلي من جسدي
أقيمي خارجي
دقي غيومك
في حاشية الصخر هناك
اهجري أقبية الجسد
يا امرأة في
ارقصي فوق أجنحة الريح
غادري حقلك الموحش
اركبي فرس النسيان
لست من هذا الزمان.

ففي هذا النص تحيك الشاعرة حالة فريدة من مناجاة الذات ومخاطبة الأنثى الساكنة في حناياها بما تمثله من حاجة بيولوجية فسيولوجية ملحّة لها ولكل امرأة انثى، غير أنها تستجديها بالرحيل من جسدها والإقامة خارجه. ولعل استخدام الشاعرة لصيغة الأمر القاسية في جملة من المفردات ولاسيما في صيغة أفعال الأمر (ارحلي، اقيمي، دقي، اهجري، ارقصي، غادري و إركبي) يمثل حالة الغضب والاستنفار الذي تجتاح الشاعرة جراء معاناتها الذاتية مع هذه الأنثى الساكنة والمستوطنة فيما بين حناياها ولاسيما في هذا المجتمع الذكوري المتسلط ، وتسقط غضبها في تعاملها ومخاطبتها لتلك المرأة التي تسكنها. إذا هي لازالت تعاني من كونيتها الأنثوية و تأمرها بالرحيل والمغادرة من هذا الجسد الذي يمثل بالنسبة لهذا المجتمع غنيمة تتمثل في مقدرتها على تلبية وإشباع جملة من الرغبات والنزوات وأن جسدها خلق ليلبي حاجة الرجل ويؤدي وظيفة استمرارية الحياة والحفاظ على الجنس البشري. ولذلك فهي تأمر هذه الأنثى ان ترحل من أعماقها و ان تركب فرس النسيان لأنها ليست من هذا الزمان، فهي لا تنتمي له اصلا.
وبالعودة إلى النص السابق “تاء التأنيث” يمكننا القول أن الشاعرة اعتمدت من خلاله على تقنية كتابة الجسد واستخدام قاموس من المفردات والتعابير المتخمة بالإيحاءات الجنسية (تثقب، تسيل، من جرحه، تفتح ابواب، أعصر من صدري، خلعت، ورق التوت، فتحت أبواب البحر،

أبواب البحر، تتناسل في رحم الماء، ضمي، الصدر … الخ) إشارة إلى الغريزة الجنسية في تعاملها مع الأنثى التي بداخلها ورسم حالة من الاغتصاب الذهني لذاتها الأنثى الشاعرة والذي ربما يعكس حقيقة الحاجة لثنائية الشراكة و المساواة بين الرجل والمرأة. على خلاف النص الثاني “لاوقت لاختلاس الأنفاس” الذي عمدت فيه الى استخدام قوة الأمر اللفظي بالرحيل ومغادرة هذا الجسد. إلا أن استخدامها المتكرر للفظ جسد في ثلاثة مواضع (في جسدي، من جسدي ، و أقبية الجسد) يعكس حالة من الغرام الهوسي لهذا الجسد بكل ملكاته الإغرائية الجنسية وهذا يشكل تناقضا ملحوظاً للنفي والغرام المفرط للشيء في نفس الوقت. فالأنثى سيكلوجيا تميل إلى أن تكون مغرية، فاتنة، ملفتة لغرائز الذكور. ويلاحظ المتأمل في سطور هاتين القطعتين الفنيتين أن الشاعرة استخدمت لغة سلسة تركيبا و نمذجة. حيث قامت ببناء نموذجين شعريين فنيين فريدين تملأهما بصور فنية بديعة تأخذ القارئ من خلاله إلى حالة من مخاطبة الأنا المكسورة حينا ، وحالة اخرى من الحميمية و الرغبة في ممارسة السلوك الجنسي الملبي للحاجة الفسيولوجية حينا آخر لتخلق حالة من التمرد على المفاهيم التقليدية و مفهوم العيب في النص الأول تمردا على التابوه الأخلاقي بالدرجة الأولى. بينما تأخذنا في حالة من مناجاة واستهجان الذات الأنثوية ومحاولة نفيها من الجسد في النص الثاني على الرغم من هيامها وغرامها به و بمقوماته و ملكاته الإغرائية ، ويمكننا القول أن الشاعرة قامت من خلال النصين الأول والثاني على حد سواء بوضع قواعد ثورية أنثوية ، على الأنا الأنثى أولا ، وعلى المجتمع العربي بفكره وسياسته وثقافته الذكورية السلطوية ثانيا متجاوزة بذلك كل التابوهات الأخلاقية والاجتماعية والذكورية السلطوية. أو بمعنىً آخر ، وبالنظر إلى أيديولوجية الشاعرة الكبيرة ثريا ماجدولين وانتمائها إلى الاتحاد الاشتراكي في المغرب نجد انها تمثل بفكرها اليساري التحرري حالة ثورية عارمة على المجتمع العربي التقليدي لترسيخ مفاهيم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

بمعنى آخر يمكننا القول أن استخدام الشاعرة لكم هائل من المفردات الإيحائية الشبقية يعتبرا توظيفا جيدا لكتابة الجسد الذي يعتبر من أهم ملامح بعض كاتبات الأدب النسائي الحديث والذي قد يعتبر من هفوات كُتاب الأدب النسائي وهذا ما نلاحظه في النص الأول “تاء التأنيث” الذي أولت فيه للأنثى الذي تسكنها جل اهتمامها واستخدمت جسدها ليس لغرض نفيه أو استهجانه وتجاوزه. وعلى الرغم من هذا العيب الذي يقع في فخه معظم الكاتبات باستثناء البعض منهن اللواتي يستخدمن ويوظفن الجسد بطريقة غير مباشرة كما في “ذاكرة جسد” لأحلام مستغانمي فهي تستخدمه كعنوان للتخطي والتجاوز وكأنها تستخدمه لتنفيه وهذا يبدو جليا في ما ترويه مستغانمي في روايتها بلسان بطلها “خالد” قائلا:
“منذ حبي الأول لتلك الجارة اليهودية التي أغريتها، إلى تلك الممرضة التونسية التي أغرتني، إلى نساء أخريات.. لم أعد اذكر أسمائهن ولا ملامحهن، تناوبن على سريري لأسباب جسدية محضة، ذهبن محملات بي لأبقى فارغا منهن (1).

على نقيض ذلك نجد ان ماجدولين في كلا النصين قامت باستحضار صورة الأنثى في المجتمع من منظور الاختلاف البيولوجي و ما تملكه من مقومات الجسد لإشباع الليبيد الذكوري، وعلى الرغم من محاولتها في التمرد على هذا المنظور إلا أنها تعكس حالة الصراع الداخلي الذاتي باستخدامها اساليب التذويت تارة و سلاح التأنيث اللغوي وكتابة الجسد تارة اخرى، لتستحضر بذلك عقدة الرجل.

وخلاصة يمكننا القول ان الشاعرة ثريا ماجدولين كنموذج للأدب النسائي في محاولة لإثبات استقلاليتهِ تصف حالة التمرد النسوي الأنثوي على الذات الانثى بالدرجة الاولى وعلى سلطوية المجتمع الذكورى في محاولة لنفيها خارج أقبية الجسد، إلا أنها تقع في شرك التذويت والتأنيث اللغوي للمحتوى والمضمون على حد متساو لتصور نفسها في هيئة تلك الأنثى الطاغية الأنوثة والمستكينة والراضخة لرغباتها واحتياجاتها البيولوجية و الخاضعة برضا واستكانة لسلطوية الذكر. فهي تعمد إلى استحضار الأنثى على مستويات عدة؛ فنجد ذلك جليا من خلال عنوان النص الأول تاء التأنيث ومن خلال المحتوى اللغوي في النصين، وكأنها تقول ان النصين حالة من الصراع بينها وبين ذاتها الأنثى التي تستحضرها بقوة فيهما من خلال الاستخدام المتكرر لضمير التذويت و المناجاة والاستكانة التي تصور من خلاله تلك المرأة الضعيفة التي تسكنها في محاولة يائسة لطردها من أقبية ذاك الجسد. وعلى نفس الصعيد نجد ان الاستخدام المفرط لمفردات القاموس الابيقوري الشبقي الذي يطغى على القصيدة يعكس حالة الهوس بالجسد لتصف حالة الإنجذاب الغريزي الأبدي للآخر على مستوى اللاوعي تعكسه من خلال تمردها على ذاتها الأنثى الأمر الذي لم تستطع تحقيقه. وعلى الرغم من ذلك يمكننا القول ان هذه النموذج بكلا النصين ليس بالضرورة ان يكون انعكاساً وتمثيلا كاملا لجميع إبداعات رآئدات الأدب العربي النسوي ولكن يمكن اعتباره نموذجا يقاس عليه بعض الأطروحات الأدبية الإبداعية لهنّ حيث يوضح جدلية القبول والرفض لقضية استقلال الطرح النسوي والتعامل مع الذات الأنثى في الوسط النسوي خاصة والمجتمع عامة.

الهوامش:

– أحلام مستغانمي، ذاكرة جسد، الصفحة 363.