كتابات

ثورة الكتابة في ديوان "يااااا هذا تكلم لأراك"

  عبد الهادي موادي  باحث من المغرب

توج الشاعر صلاح بوسرسف تجربته الشعرية بكتاب شعري جديد بعنوان “يااااا هذا تكلم لأراك”، هذا الكتاب هو استمرار للمشروع الشعري الذي بدأه منذ صدور ديوان “فاكهة الليل”، بلغ عدد صفاحاته أربع مائة وواحد وخمسون صفحة وهو بذلك يعطي شكلا مغايرا للكتابة الشعرية ولمستوياتها، إذ في مجمله نص واحد طويل ربط بين مكوناته بواسطة أرقام من خلالها حاول وسم عمله بالتراتبية الموضوعية.

من يقرأ هذا الكتاب يجد نفسه عاجزا على تصنيفه ضمن المسميات التي طرحها النقد القديم من قبل قصيدة وديوان…فهو أبلغ من ذلك وأقدر على خلق ما سهاه الشكلانين بالشعرية أو الأدبية، من ثم نطرح سؤال أدبية هذا الكتاب؟

إذا كانت القصيدة قديما تخلق شعريتها بواسطة الإيقاع والوزن والقافية والروي فهذا الكتاب يؤسس تلك الشعرية بواسطة الخرق والخروج عن تقاليد القصيدة التقليدية عن طريق إشراع النافذة على عوالم متعددة كالسرد والقصة التاريخ والتشكيل…

فيما أفاد الشاعر عند استضافته في برنامج الناقد أنه يريد من خلال كتاباته “خلق قارئ جديد”، وهو ما سعى إليه من خلال هذا الكتاب حين كتب الشعر بطريقة المزج الفني أو ما سمي بــ “التعددية الفنية”، فالقرآن والكتب المقدسة والتصوف والقصة والتاريخ والصورة والشعر القديم والرسم…كل ذلك مزيج كون نصوص هذا الكتاب، لذلك من الصعب على المتلقي العادي قراءة نصوصه وفهمها بطريقة تلقائية، فنصوص هذا الكتاب تستدعي ثقافة موسوعية تتعدى ما هو معاصر إلى الغوص في تاريخ الإنسان.

قد يلاحظ القارئ ميل الشاعر إلى إدراج مجموعة من العتبات وكذلك التصرف وتحوير مجموعة منها على باب وفي داخل نصوصه، إذ بهذا المنطق يحاول وضعنا أمام الرؤيا والفكرة التي على أساسها بنى أفكاره، فالمعنى على باب النص هكذا قال جنيت، فحتى في الثقافة الإنسانية كانت العتبة مفتاح للمنزل، بالتالي ضرورة الولوج عبر العتبة إلى الداخل. كما مزج في كتابه أقوال مجموعة من المتصوفة الذين كان لهم وقع كبير في نفسيته والذين عايش زمنهم عن طريق القراءة الفاحصة، فأدرج واقع حالهم كــ: جلال الدين الرومي ومحي الدين بن عربي وفريد الدين العطار وأبو يزيد البسطامي…فوضع جانب كبير من حياتهم داخل نصوصه لخلق السؤال، فلم يكتفي بذلك بل أقام رحلات متخيلة عن طريق الكتابة والاسترجاع التاريخي كـ: مدينة بلخ والأناضول وقونية وريَّا الدراق ونيسابور وفارس…

في هذا الكتاب يقيم صلاح بوسريف مساءلة لما يجري في الواقع المعاصر من دمار وخراب…فعاد لأحداث تاريخية كان لها وقع كبير في إضعاف النفسية العربية، إذ خلفت ضياعا تاريخا، كحادث إحراق كتب التاريخ والأدب العربي من قبل التتار، لحاول بعد ذلك البحث عن مثيل لذلك فيما نعيشه اليوم من قتل وتنكيل ونهب للحريات في مختلف البقاع العربية.

أقام الشاعر في كتابه هذا تماثلا وتقاسما معنويا إذ يشرك الشكل وكل مكونات الورقة في التعبير عن الفكرة، فالتشتيت والانقسام والدمار والخوف والخراب كل تلك أحاسيس يبثها في ورقته شكلا ومضمونا، فيقيم بذلك تكاملا بين الشكل والمضمون، المنطوق والمرئي، أي بين الكلمة والحرف والجملة وما يريد من خلالها أن يقوله للقارئ، فهو يحاول بهذه الطريقة إثبات ما أسماه في كتاباته التنظيرية والنقدية بـــ “حداثة الكتابة الشعرية”.

فصلاح بوسريف أراد أن يخرج الشعر من شكله المعهود حين جعل هذا الكتاب نص طويل يمتد عبر أزمان متعددة وعوالم مختلفة، بل جعله يتقاطع مع أنواع أدبية متنوعة. لذلك نطرح سؤال التجريب في الشعر، إلى أين؟